فقال الأوستوري في دهشة محتشمة: إنني لا أعرف ...
فقاطعته بخشونة: إن لي ولدا آخر، لقد كان زوجي الأول إنجليزيا كما تعلم، كان جميلا كأنما هو تمثال صنعه فيدباس، غير أنه كانت له صلابة التمثال وبروده، وكان يقدس ولنجتون ويتخذه مثلا أعلى، ولست في حاجة لأن أخبرك ماذا نحمل نحن الإسبانيين لولنجتون هذا. لقد كان مارك متغطرسا مستبدا برأيه، ولم يكن ينظر إلى المرأة أكثر من نظرته إلى كلبه أو حصانه، ولما دفعتني أعماله إلى الثورة عليه، ساقني كما يسوق العبد العاصي بالسوط في يده، ولست أعرف الآن إذا كنت قد أحببته أو كرهته، غير أني أنجبت منه أجمل ولد يمكنك أن تتصوره يا فريزن، ولكني أكرهه!
واكتسى وجه السيدة الباهت الجامد بأفظع تعبير عن الحقد والضغينة، وأحس الكونت فريزن بضيق شديد ولم يعرف ماذا يفعل أو يقول، فإنه لم ير طول حياته السياسية امرأة يشتعل بنفسها غضب شديد كهذا.
واستأنفت السيدة: إنه فر من المنزل منذ اثني عشر عاما، بعد أن أخذ معه من نقودي ما استطاع أن يحمله، وما تصور أنه سيكفي حاجته، ثم عاد إلي بعد ثلاث سنوات وقدم إلي المال الذي سرقه، أو الذي اقترضه كما كان يقول.
وأتمت السيدة وهي تحاول محاولة واضحة أن تجرد نبرات صوتها من الخشونة: لقد كان أجمل ولد رأته عيناي، كانت سنه وقتذاك تسعة عشر عاما، وكان يشبهني كل الشبه، كما كان يشبه جلالته كثيرا، إلا أنه يختلف عنه في القوام؛ فقد كان له قوام أبيه الممشوق، وكان له بروده وغروره واعتداده برأيه، ولكنه رجل يا فريزن، إنه رجل حقا.
وسكتت السيدة مرة أخرى، وكان الأوستوري حتى الآن لا يدري ماذا يراد به، حتى إنه ود لو استطاع أن يستأذن ويهرب، ولكن يظهر أن السيدة في ذلك الوقت لم تكن تشعر بوجوده، وأخيرا تجاسر وسأل قائلا: ألم تري الفتى منذ ذلك الحين يا سيدتي؟
فأجابت بحدة: لا. - ألم تعلمي ماذا جرى له؟ - لا أعلم بالضبط، ولكن الكاردينال بنفنتي، وأظنك تعرفه، لا يزال على ما يظهر له اتصال به؛ فلقد سألته عن سيرل يوما فقال نيافته إنه درس الرسم في باريس، وإنه يسعى بجد للحصول على شهرة عظيمة في عالم الفن.
فسأل فريزن: أتقولين سيرل يا سيدتي؟ أيكون ولدك سيرل برتراند؟ أهو ذلك الشاب الرسام الذي قام بعمل صورة جميلة للآنسة كريستوف وعلقت في صالة العرض هذا العام؟!
فسألت السيدة ببرود: أهو يرسم صورا؟ إنني لم أعلم؟ - أؤكد لك يا سيدتي أن شهرة سيرل برتراند قد طبقت الآفاق في عالم الفن في باريس. إنني وإن لم أكن قد رأيته فإن النقاد يقولون عنه إنه يرجى منه الخير الكثير؛ لم يكن مادحوه أقل من جان أوجست وأنجر نفسهما، بيد أن فكرة أن سيرل برتراند هو أخو جلالته ...
فقالت السيدة بجفاف: إنه أخ غير شقيق لا أكثر، كما لا تنسى أنه إنجليزي وأنا عليمة بأن في هذا خسارة لي.
صفحه نامشخص