وكان انفعال السيدة يزداد شيئا فشيئا وهي تتكلم، وقد كانت معتقدة كل الاعتقاد بنجاح خطتها حتى النهاية، وكان صوتها يعلو شيئا فشيئا، واللهجة الإسبانية تتضح فيه بجلاء، وقد ظهر في عينيها السوداوين بريق عجيب، وكانت تقوم من مكانها تذرع الغرفة جيئة وذهابا، ثم تعود ثانية فتجلس منتصبة القامة وتعدل كتفيها، فيرتفع صدرها الجميل إلى الأمام، وكانت تتلألأ تحت أضواء القناديل خواتمها الثمينة وسوارها المرصع وهي تحرك يدها مؤكدة ما يصدر عنها من أقوال.
وجلس فريزن صامتا يفكر وقد كان سياسيا من المدرسة القديمة، صادق الفراسة واسع الحيلة، فكان من المستحيل أن يتصور تماما ما تخفيه الطلاقة التي تكسو دائما وجهه الجميل، والتي حبته بها تربيته العالية. غير أنه لم يسأل السيدة عن الوقت الذي تظن أنها ستبدأ فيه بتنفيذ مشروعها، إلا بعد أن رأى أن السيدة تنتظر منه أن يقول شيئا وأجابت: إنني لا أعرف الآن، وطبعا لا بد أن يبدأ بأسرع ما يمكن، ولو أن هناك أشياء ما زالت تحتاج للتفكير فيها وتنظيمها، ولكني أريد أن أعجل بتنفيذ ما تم لنا فيها حتى الآن؛ فلقد سارت الأمور على ما يرام مع كريستوف والفتاة، ويجب أن يسافر لويس غدا أو بعد غد إلى ستراسبورج، فأنا لا أريد أن يسير أبعد من هذا مع فتاة سان أماند هذه.
وانفجرت بصبر نافد وهي تبحث بعينيها في وجه صديقها، كأنما تريد إجباره على أن يفصح لها عن حقيقة رأيه: إن ما أخبرتك به يا فريزن ليس إلا مجمل لخطتنا، ولكن أترى أن لويس سيتبع هذه الخطة حتى النهاية؟ يجب أن تنفذ الخطة حالا بتوقيع عقد الزواج، فإن مليار كريستوف يساعدنا في بدء التنفيذ حالا! هل فهمت؟ ويمكن أن يكون الزفاف بعد ذلك في باريس، والتتويج سيكون بعده بمشيئة الله مباشرة.
وتنهدت تنهدا عميقا ثم قالت: وعلى كل يا صديقي، فلن يمضي هذا العام حتى تذهب دولة هذا الإمبراطور وتقام في ريمس حفلة تتويج الملك لويس التاسع عشر.
فقال الأوستوري في حرارة: ليحقق الله هذا!
وتغيرت حالة السيدة بعد هذا مباشرة؛ فقد كانت هكذا دائما حامية الطبع في لحظة باردة في الأخرى، متحمسة متقلبة حتى ليستحيل أن تعرف كيف تأخذها، وقد عراها في هذا الوقت شعور بالمرارة، حتى إنها تنهدت بصبر نافد وقالت: إن ما نحتاجه هو النشاط والحزم.
وكررت هذا مرتين أو ثلاثا، الحزم والنشاط والتصميم على النجاح.
واحتج فريزن: ولكن جلالته ...
وانفجرت السيدة فقاطعته بسخرية مريرة: شاب جذاب، هه؟ يتقن فنون الرقص ويغرم بالسحر، إنه جميل الطلعة ومحبوب ولكنه ...
وكانت تعبيرات وجهها تشتد حتى أصبحت قاسية، وباتت لا تستطيع أن تستقر على حال، فقفزت مرة أخرى على قدميها وذهبت إلى النافذة ففتحتها بعنف، وكان فريزن لا يزال جالسا وهو يضغط يديه المشتبكتين بين ركبتيه. وبغتة تحولت السيدة عن النافذة وعادت إليه، ثم جلست ثانية على الأريكة ، وعدلت طيات ثوبها ثم أخذت مروحة من فوق المنضدة القريبة، وأخذت تعبث بها بحالة مضطربة؛ فقد كانت عصبية تماما، وكانت تجري في ذهنها أفكار غريبة، وانطلقت قائلة: إنك لم تر ولدي الأكبر يا فريزن، أليس كذلك؟
صفحه نامشخص