ملامتیه، صوفیه و اهل فتوه
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
ژانرها
61
وكذلك يردد هذه العبارة القشيري في رسالته والشعراني في طبقاته، وإن كان أتباع حمدون لا يسمون عادة باسم الملامتية بل باسم الحمدونية أو القصارية.
62
وقد أشرنا إلى صلة أبي حفص بأصحاب الفتوة الصوفية داخل خراسان وخارجها وإلى منزلته الخاصة فيها، ولكننا نجد أن صلة حمدون بالفتيان من الصوفية وغيرهم آكد وأشد. كان بنيسابور فتيان من غير الصوفية في زمن حمدون من غير شك، وكانت لهم هيئات أو جماعات لا نكاد نعرف من أمرها شيئا، وكان يطلق على الفتى منهم اسم «العيار» أو الشاطر أحيانا.
63
وكان الاتصال موجودا بين هؤلاء الفتيان وبين رجال الملامتية؛ بدليل القصة التي ذكرها الهجويري وفريد الدين العطار
64
وهي مما يلقي بعض الضوء على سيرة حمدون القصار ومن اتصل به من هؤلاء الفتيان. قال حمدون: «كنت أسير يوما في حي من نيسابور فلقيت نوحا العيار أحد المعروفين بالفتوة، وكان على رأس الشطار بنيسابور، فقلت له: يا نوح ما الفتوة؟ فقال: فتوتي أم فتوتك؟ فقلت: صف الاثنتين، فقال: «أخلع القباء وألبس الخرقة وأفعل الأفعال التي تليق بهذا الثوب لعلي أصبح صوفيا، وأقلع عن المعاصي لما أشعر به من الحياء من الله. ولكنك تخلع الخرقة لكيلا يخدمك الناس وينخدعوا بك، ففتوتي في اتباع ظاهر الشرع، أما فتوتك ففي تلبية نداء القلب.» وهذا بعينه هو الأساس الذي بنى عليه الملامتية مذهبهم وسلوكهم، خلع الخرقة وكل مظهر يرمز به إلى الورع والتقوى، وتلبية نداء القلب، وإخلاص المعاملة مع الله، فنوح الفتى يود لو لبس خرقة الصوفي لتحول بينه وبين إتيانه ما لا يليق بها من الأفعال وتحمله على فعل ما يتمشى مع ظاهر الشرع، وحمدون الملامتي يخلع عن بدنه ثوب الصوفية ليحول بين نفسه وبين الرياء، ويخلص لنداء قلبه المتصل بالله ليحول بين نفسه وبين ما لا يليق في جانب الله. وإذا كانت الفتوة بمعناها العام هي المروءة والرجولة والإيثار المحض، فهذه معان نجدها متحققة في حمدون القصار أكثر منها في زميله أبي حفص. وليس أدل على ذلك من العبارات المأثورة عنه في رسالة السلمي ورسالة القشيري وما أورده له مؤلفو الطبقات؛ فمن الفتوة عنده ألا يظهر الإنسان العجب والكبر، ومنها غض الطرف عن مواطن التقصير في الغير، ومنها الإيثار والاعتراف بالتقصير والتواضع والتماس المعاذير عند رؤية القبيح إذا صدر عن الغير، وهذه كلها شديدة الاتصال بمعاني الفتوة، ومنها يتألف عدد كبير من أصول تعليم الملامتية.
ليس من غير المحتمل إذن بعد الذي ذكرناه عن مشايخ مدرستي بلخ ونيسابور أن يكون نظام الفتوة الذي كان لا شك سائدا في خراسان، والفتوة الصوفية التي كانت قد ظهرت في العراق، قد مهدا الطريق لظهور المذهب الملامتي ولعبا دورا هاما في تشكيله، وإن كنا لا نستطيع الآن الجزم بشيء في تكييف ذلك التأثير أو تحديد مداه. وقد أشرت من قبل إلى أن عددا كبيرا من الصوفية - وأضيف هنا: والملامتية أيضا - كان ممن تفتى وعاشر الفتيان قبل دخوله في الطريق الصوفي أو الملامتي، نذكر من هؤلاء على سبيل المثال شقيقا البلخي.
65
صفحه نامشخص