فارتفع بهذا التكرار ذلك الاحتمال المتقدم مع انجرار التوكيد فإن قيل فقد تكرر قوله أخيرا "ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام " قلت: لما أغقب قوله أولا " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام " بقوله تعالى "وانه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون " زجاءت هذه الآية بين آية الأمر من قوله "فول وجهك شطر المسجد الحرام " وبين ما شأنه أن يكون مبنيا عليها من قوله تعالى "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره "، فلما تباعد عنها كرر توكيدا ولينبنى عليه ما ينبغى اتصاله به وهذا كقوله تعالى "أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا ةعظاما أنكم مخرجون " فأعيدت "أنكم "تأكيدا ولينبنى عليه الخبر وكذا أعيد قوله تعالى "ومن حيث خرجت " لينبنى عليه "وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ".
وبهذا اللحظ لم يتكرر شئ من الآية لمجرد توكيد بل كل مما يظن تكرارا مفيد معنى لم يحصل محرزا مما قبله ووضح التناسب فى ذلك كله والله أعلم.
الآية السابعة والعشرون: - قوله تعالى: "إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف اليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها ".
وفى سورة العنكبوت: "ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ".
وفى سورة الجاثية: "واختلاف اليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها ".
للسائل أن يسأل عن وجه اختصاص آية العنكبوت بمن دون الأخريين وعن قوله فى سورة الجاثية: "وما أنزل الله من السماء من رزق " فسمى الماء النازل من السماء رزقا بخلاف ما فى آيتى البقرة والعنكبوت.
والجواب عن الأول: أن زيادة "من " فى قوله فى العنكبوت: "من بعد موتها " زيادة بيان وتأكيد نوسب به ما تقدم من قوله "من نزل " فإن بنية فعل للمبالغة والتكثير وذلك مما يستجر البيان والتأكيد فنوسب بينهما ولما لم يقع فى الآيتين الأخرتين إلا لفظ "أنزل " ولا مبالغة فيها ولا تأكيد ولا انجر فى الكلام ما يعطيه لم يكن فيهما ما يستدعى زيادة "من " ليناسب بها فلم تقع فى الآيتين ولو قدر ورود عكس الواقع بزيادة "من " فى آيتى البقرة والجاثية وسقوطها فى آية البقرة لما ناسب ذلك أصلا فوضح تناسب الوارد وامتناع خلافه.
والجواب عن السؤال الثانى: إن آية الجاثية لما تأخرت فى الترتيب الذى استقر
1 / 55