ملك في منفى العمر

صلاح هلال d. 1450 AH
63

ملك في منفى العمر

ملك في منفى العمر

ژانرها

لم يكن إخوتي يتحملون الجو في غرفة الانتظار بدار المسنين؛ لذلك كانوا يصطحبون أبي إلى الخارج قدر الإمكان. عندما كنت أرغب في أن أعرف من أختي ما يمكنها حكيه عن زياراتها الكثيرة هناك كانت ترفض؛ فقد تمثلت استراتيجيتي في الحكي، وتمثلت استراتيجيتها في كبت ما تعايشه هناك. كانت تقول إنها ستكون سعيدة إذا استطاعت أن تنسى ما تراه هناك بعد خروجها من باب دار المسنين بخمس دقائق، وكلما كان ذلك أسرع، كان أفضل. إنها لا ترى الأمر شائقا، بل مبكيا. وأخبرتني أنها يمكن أن تبتسم وهي تقرأ ما أكتبه، ولكن الموقف نفسه يكون مرعبا.

وعندما يقول أخي الأصغر إنه يفضل عدم الذهاب إلى هناك لأنه لا يحتمل ذلك، فإنه فعلا لا يحتمله. وهو ليس الوحيد الذي يشعر بذلك؛ لذلك كنا كثيرا نحضر أبانا إلى أوبيرفيلد.

كم هم مختلفون! هؤلاء البشر! أو لعل أبي كان سيعبر عن ذلك المعنى بقوله: إن الرب لديه ضيوف مختلفون بعضهم عن بعض تماما. بالنسبة إلي كان الجو في دار المسنين لطيفا ومثريا، والعاملات فيه ودودات وهادئات، كلهن من المنطقة، ويتحدثن دون كلفة. معظم النزلاء متمسكون بالحياة بطريقة بدائية جدا، وإذا كان العالم في الخارج لم يعد يضعهم في مصاف أقرانهم، فقد كنت أرى أنهم يناسبونني تماما. •••

ولسوء الحظ كان أبي عند زيارتي الأخيرة له في نهاية الصيف في حالة مزاجية سيئة، حتى إن ممرضة فلبينية، استقبلتني أمام الدار قائلة: «ها قد أتى أرنو لحسن الحظ. إن أوجوست يرغب منذ ساعات في الذهاب إلى البيت.»

دخلت إليه واصطحبته إلى الحديقة في الخارج، فأخبرني بأنه حزين لوضعه؛ لأنه لا يفلح في عمل أي شيء، ولأن كل مساعيه لكي يذهب إلى البيت لم تفلح تماما. طأطأ رأسه وقال بطريقة مثيرة للشفقة إن الأمر ربما يتعلق بأنه كان في عطلة نهاية الأسبوع مرتين في أوبيرفيلد واليوم السابق على ذلك مع إخوته في بيت والديه. حكت لي العمة ماريانا أن اللقاء كان رائعا، وأن الجميع سعد برؤيته، ولم يحتاجوا إلى بذل الجهد ليجدوا مواضيع للحديث، ولا يحتاج باول خصوصا من يطلب منه أن يحكي شيء ما، وكان أوجوست يستمع إليه طوال الوقت بإعجاب واهتمام شديدين.

وعند زيارتي لأبي مساء، ظنني باول، وأخذ يسألني عن بقية الحكايات، وإذا كنت سأساعده على الذهاب إلى البيت، وكان شارد الذهن جدا من شدة الهم، وذكر عدة مرات أنه حزين. اجتهدت في تهدئته، وأخبرته أن لدينا الوقت، ويمكن أن نجلس قليلا قبل أن ننطلق إلى البيت. فسألني بدهشة وبشيء من الخجل، إذا كنا فعلا بعد ذلك سنذهب إلى البيت. أكدت له ذلك وقلت إننا سننتظر قدوم هيلجا ثم نذهب جميعا إلى البيت. ربت أبي على خدي مرتين أو ثلاث بباطن يده ومرة بظاهرها، ثم شكرني؛ لأن ما قلته أسعده جدا. كنت قد أحضرت معي صحن توت، وأخذت أعطيه التوت الواحدة تلو الأخرى. بعدها ذهبنا إلى حجرته واستمعنا إلى الموسيقى، وتحدثنا من وقت لآخر. لم يواسه ذلك، ولكنه كان سعيدا لأن أحد «إخوته» يزوره. بعد قليل شعرت أنه هدأ ولم يعد يفكر كثيرا في الذهاب إلى البيت. ولأن وقت نومه اقترب وكان علي أن أحزم حقيبتي، فقد تسللت خارجا. لم أقدر على وداعه؛ لذا مشيت دون كلمة واحدة، وشعرت ببؤس شديد وأنا ذاهب، حتى إني وددت الرجوع إليه وأنا في الردهة وتذكرت التعبير القائل: شخص ينتزع نفسه من المكان انتزاعا.

هذه ورشتك يا أبي، هل تذكرك بشيء؟

نعم، أشياء كثيرة ما زالت موجودة هنا؛ اعتقادا مني أنها ستكون نافعة فيما بعد. توجد أشياء كثيرة قديمة هنا. وأنت، هل تستخدمها؟

أحتاج أحيانا لمفك أو مبرد منها.

أنا أحب استخدام أدواتك.

صفحه نامشخص