[صفات الحكيم]
يا بني: ولخير خصال المرء أن يكون على خلاله مستشرفا ولأوده مثقفا، بما يكون له من غيره متعرفا، من جميل يومىء به إليه، أو مذموم خليقة يطعن من أجلها عليه.
يا بني: فكل من لم يفصل بالتمييز ما يعنيه من زمنه، ويحذر مضلات فتنه، ويدخر لنفسه من جدته، ما يحمد غبه في عاقبته، ويختر الزيادة على النقصان، والربح على الخسران، فهو كالمآص لثدي أمه، المخدجقبل تمه.
يا بني: الزمان أنصح المستنصحين، وأرشد المسترشدين، وبحسب من صحبه، أن يعرف تغلبه، ويقفو آثاره، ويتصفح أخباره، ويسير لكل حقبة بسيرتها، ويلبس لها أخصف لبستها، حتى تستوري نار زنده، وتستحكم قوى معتقده، وتتحصحص له طبقات دهره، ما مد له المهل في عمره، ثم لا يغتر بساعات الليل والنهار، ولا يسهو سهو من صحب الدهر بغير الاختبار، ولا يلهو عن مصلحته كأهل الاغترار، فإذا داوم على ذلك فقد كملت خصاله، وأحاطت بالجميل أفعاله.
يا بني: ولو أن العاقل ساير الأيام طول حياته بغير الإستحكام، والنقض والإبرام، لم يكن إلا كالصبي في مهده، المدخول في خلده، لأن العاقل الذاهلهو الخائض في بحار الظلم، والمرتطم في الخزاية مع المرتطم، والمعرفة أسطع نورا من المقباس، وأجلى للقلوب من الهندوان للنحاس.
صفحه ۱۸۶