مخطوطات مسرحيات عباس حافظ: دراسة ونصوص
مخطوطات مسرحيات عباس حافظ: دراسة ونصوص
ژانرها
صورة مستخرج شهادة ميلاد عباس حافظ عام 1893.
صورة شهادة الابتدائية الخاصة بعباس حافظ عام 1908.
صورة شهادة الثانوية الخاصة بعباس حافظ عام 1913.
وما بين عامي 1917 و1922 نجده يتنقل بين العديد من الوظائف داخل وزارة الحربية، فتارة نجده سكرتيرا ماليا بمصر، وتارة أخرى نجده كاتم أسرار الحربية بالسودان. وفي الملف وثيقة مؤرخة في ديسمبر 1923، عبارة عن إشادة من أحمد رفعت - قائمقام أركان حرب الطوبجية - إلى الجنرال الإنجليزي في مصر، يشيد فيها بمساعدة عباس حافظ له في ترجمة كتابين من كتب تعليمات الطوبجية، ولولا هذه المساعدة ما كانت الترجمة تمت بصورتها الحالية. ويختتم أحمد رفعت إشادته هذه بقوله: «وقد حررت هذه الشهادة لما شاهدته من حضرته من اجتهاده واستعداده الفائق لترجمة القوانين العسكرية.»
ورغم هذه الإشادة التي تدل على أن عباس حافظ ساعد في الترجمة، إلا أن الحقيقة - التي ستظهر فيما بعد - ستثبت أن عباس حافظ هو المترجم الحقيقي لهذين الكتابين وغيرهما من الكتب ! وربما تكررت هذه المأساة في حياة عباس حافظ الوظيفية، مما جعله يشعر باليأس وفقدان الأمل في نيل التقدير المستحق له. فقد لاحظنا - في ملفه - تقارير سرية كتب بياناتها الأساسية عباس حافظ بنفسه، ووجدناه يكتب في خانة النياشين والميداليات والمشابك، تعليقات يائسة تدل على إحباط نفسي كبير! فمثلا في تقرير عام 1924، علق على هذه الخانة قائلا: «لا أملك منها شيئا.» وفي العام التالي قال: «أين أنا منها؟» وفي العام الثالث، قال: «لا تصلح لي ولا أصلح لها.» وفي العام الرابع، قال: «لست منها ولا قلامة ظفر!»
وبناء على ذلك، وجدنا عباس حافظ يرسل خطابا إلى الجنرال الإنجليزي في مصر - وهو أعلى رئيس له في العمل - يقر فيه بملل العيش في مصر، والضجر الذي انتابه بسبب ضآلة الراتب الذي لا يكفل له ولأولاده أدنى مراتب العيش الكريم، كما أنه فقد ابنا له في عمر الطفولة، مما جعله يصرف بعض أوقاته في الكتابة الأدبية والصحفية؛ ولهذه الأسباب طلب من الجنرال الموافقة على مبادلة عمله الوظيفي في مصر، بعمل زميل له في الخرطوم.
وتمت المبادلة بالفعل، ولكن ضغوط الحياة لازمت عباس حافظ، مما اضطره للتغيب عن عمله عدة أيام بدون إذن، مما استوجب وقوع العقاب الإداري عليه؛ فكتب عباس في ديسمبر 1924 مظلمة إلى اللواء محمد رفقي باشا، أبان فيها أمورا مهمة، واعترف فيها بأنه المترجم الحقيقي ل «مجموعة القوانين الحديثة وكتب التعليم كقانون البياد الحديث والقانون المالي وقوانين الطوبجية وغيرها مما لا حاجة إلى ذكره!» ويرفض في نهاية مظلمته ذكر الأسباب الحقيقية لتغيبه، ويلتمس مقابلة الوزير شخصيا لإخباره بهذه الأسباب.
والوثائق المحفوظة في ملف عباس حافظ تصمت نهائيا تجاه هذه المظلمة، وربما تم حفظها أو بالأصح قبرها، حتى لا تكشف أسرارا ربما تسيء إلى شخصيات كبيرة في الوزارة. والدليل على ذلك أن عباس حافظ اعترف - ولأول مرة - أنه المترجم الحقيقي لمجموعة من الكتب التي لم تنسب ترجمتها إليه! وهذا الاعتراف - رغم خطورته - لا يمثل كل شيء؛ فهناك أمور أخرى أخطر من ذلك، يود عباس حافظ إخبارها شخصيا إلى الوزير، تتعلق بأسباب تغيبه عن العمل، ولو كانت هذه الأسباب عادية أو طبيعية لكان ذكرها للواء محمد رفقي باشا. ومن هنا نستشعر بأن أسباب تغيب عباس حافظ عن العمل، أسباب تتعلق بأمور خطيرة وتمس شخصيات لها اعتبارها في الوزارة! ولولا خطورتها وأهميتها ما كان يتجرأ بمطالبة مقابلة الوزير شخصيا!
وهكذا يستشعر القارئ روح الشجاعة لدى عباس حافظ، ولكن للشجاعة ثمنا لا بد أن يدفع! ففي فبراير 1925 كان الدور على عباس حافظ كي يترقى في وظيفته إلى الدرجة الأعلى، وبسبب شجاعته وجرأته كافأه رجال الوزارة بحرمانه من الترقية، فكتب إلى الوزير مظلمة جديدة، يستغيث فيها بكلمات تدمي القلوب وتزلزل المشاعر، ومما جاء فيها قوله: «... أنا شاب كفؤ في عملي بشهادة نفسي أولا وبشهادة رؤسائي وبشهادة موظفي الوزارة على بكرة أبيهم. وقد كنت مثال النشاط في العمل والدأب على إظهار الكفاءة على أمل الترقي ... يا الله! أهكذا يأبى النحس إلا أن يلازمني. يا للداهية! أهكذا سأموت حيا. أهكذا سأدفن في هذه الوزارة، أهكذا سأبقى حتى يشيب الغراب ... فيا ضيعة الشباب! ويا خيبة الآمال! ويا خسارة الفكر والعقل والهمة والكفاءة والنشاط ...»
وذيلت هذه المظلمة بحاشية من المسئول، أفادت بعدم قبولها أو النظر فيها؛ لأن الترقيات لا تتم إلا بناء على التقارير السرية السنوية. ومن العجب العجاب أن التقرير السري السنوي لعباس حافظ، جاء فيه تحت بند استعداده لوظيفته الآتي: «استعداده العلمي والأدبي يؤهله لأرقى من وظيفته بكثير!» كما جاء في تقرير عام 1928 تحت بند درجة اجتهاده: «مستخدم دءوب على العمل، غيور فيه، ذو كفاية له، عليم بعمله كل العلم، تعينه في ذلك كثير معرفته الاستثنائية للغة الإنجليزية.» وجاء تحت بند مقدرته على القيام بواجبات وظيفته: «على أتم المقدرة، ومما رأيته من عباس أفندي حافظ أقول إنه ينبغي أن يسير شوطا بعيدا في هذا السبيل.» وأخيرا جاء تحت بند استعداده الاستثنائي: «أعده مترجما استثنائيا، وهو في وسعه أن يترجم الوثائق بسرعة وبأسلوب لا يدع مجالا للشك في معانيها الأصلية!»
صفحه نامشخص