مکاید الحب فی قصور الملوک
مكايد الحب في قصور الملوك
ژانرها
وظلت جثتا الملكين مطروحتين في الحديقة ساعتين حتى جاء تشريكوف سفير روسيا وطلب إلى قائد السفاحين الكولونيل ماستشين (صهر دراغا) أن يدخلهما إلى القصر ولا يتركهما في المطر الذي أخذ حينئذ يهطل بغزارة. وإذ ذاك أدخلوهما إلى طبقة القصر السفلي.
وبعد الفراغ من ارتكاب هذه الجناية الشنعاء أصيب السفاحون بمس من الجنون، فطفقوا يمرحون ويرقصون ويصخبون صارخين بأعلى أصواتهم، ويندفعون كالثيران الثائرة من غرفة إلى غرفة وهم يطلقون مسدساتهم على الصور والمرايا والآنية الخزفية النفيسة، ويحطمون بالفئوس سرير الملكين ويتلفون كل غال كريم على منضدة الملكة. ثم أمروا الخدم أن يأتوهم بالخمر المعتقة من مخزن الملك، فشربوا وازدادوا سكرا وعربدة.
ولم يكتفوا بكل ما اجترحوه من الموبقات، بل زادوا عليها أن فتكوا قبل طلوع الفجر بجميع الموالين من الوزراء والضباط، وبينهم أخوا دراغا؛ وهما شابان في مقتبل العمر، لقيا حتفهما معا وخرا صريعين أحدهما بجانب الآخر، متجرعين كأس الردى ببسالة الأبطال الصناديد. ولم يكف القتلة عن سفك الدماء البريئة حتى تهددهما سفير النمسا بزحف الجيش النمسوي على بلغراد إن لم يضعوا حدا لهذه الفظائع المنكرة.
وهكذا تمت نبوة ذلك الفلاح واغتيل الملك إسكندر وملكته الجميلة التي كللت محبتها سني حياته الأخيرة بتاج الرغد والصفاء، ولكنها جلبت عليه وعليها شر عقبى، وختمت تاريخ الأسرة المالكة بأفظع فاجعة.
ابنة أخت الكردينال
قالت عقيلة دي فالروي لغاستون دي أورليان مشيرة إلى فتيات جميلات كن موضوع إعجاب ندماء الملك لويس الرابع عشر في القصر الملكي: «هل تنظر هؤلاء الفتيات؟ إنهن الآن فقيرات ولكنهن عما قليل سيصبحن ربات قصور فاخرة وثروة وافرة وحلل نفيسة وحلى غالية، وربما نلن فوق هذا كله عزا ومجدا.» وقد حققت الأيام صدق ما أنبأت به عقيلة فالروي، فتم بحرفه؛ لأن أولئك الفتيات اللواتي شغفن قلوب رجال لويس بحسنهن الباهر وجمالهن الساحر كن بنات أخت الكردينال مازارين، وقد أتاح لهن القدر أن يطلعن فيما بعد كواكب بهجة وبهاء ساطعة بين نجوم الحسن في سماء الهيئة الاجتماعية في أوروبا. فصارت ثلاث منهن دوقات وواحدة كونتس، والخامسة زوجة أحد كبار الأغنياء في إيطاليا.
ولما تمكن مازارين من بلوغ ما كانت نفسه تطمح إليه، وبات أكبر رجالات فرنسا قوة وثروة، وتملك فؤاد الملكة حنة النمسوية (ابنة فليب الثاني ملك إسبانيا وزوجة لويس الثالث عشر) وأصبح عاشقها الوحيد غير منازع (وقيل إنه كان زوجها) استدعى من إيطاليا بنات أخته الأرملة عقيلة مانشيني ليرتعن في ظلال عزه وسؤدده، ويستعين بهن على مد رواق سلطانه.
وعندما وصلن إلى بلاط فرنسا لقين ما يعجز القلم عن وصفه من الحفاوة والتكريم، وخصتهن الملكة نفسها يعطف وحنان لا مزيد عليهما، وأنزلتهن عندها منزلة أولاد لها، وجعلتهن رفيقات لعب وتسلية لابنها الفتى الملك لويس الرابع عشر ولأخيه الدوق دي أنجو الصغير، وأصبح جميع الذين في القصر يترضونهن، ويبذلون جهدهم في العناية بهن.
وكن كلهن بارعات في الحسن والجمال، ولكن هورتنس كانت بإجماع الذين عرفوها أبرعهن حسنا، ولم تلبث أن امتازت من شقيقاتها بالمكانة الرفيعة التي حازتها عند خالها، بحيث تملكت قياده وجعلته لها أطوع من بنانها. وقد يستلمح القارئ شيئا كثيرا من أخلاقها وصفاتها من مطالعة ما كتبته إلى خالها من إيطاليا وهي بعد ابنة عشر سنوات. قالت:
لقد سرني أني رأيتك تشمل هورتنس الصغيرة بشرف تذكرها والافتكار بها. ولعل دي كوتانس يتمكن من أن يصف لك مبلغ ابتهاجي بالهدية التي قدمها إلي بالنيابة عنك. وإنني موقنة بصحة ما قاله لي عن فوزي بشيء من محبتك. وغاية ما أتمناه من صميم فؤادي أن أبقى ناعمة بهذه المحبة. والله أسأل أن يرعاك بعين عنايته، ويهب لي أن أبقى دائما جديرة بشرف انتسابي إليك وشمولي برعايتك. وحسبي هناء وصفاء أن أكون ابنة أختك الوضيعة المطيعة التي تحبك من كل قلبها.
صفحه نامشخص