مجموعة الرسائل والمسائل

ابن تیمیه d. 728 AH
106

مجموعة الرسائل والمسائل

مجموعة الرسائل والمسائل

ناشر

لجنة التراث العربي

غيره أبول عليه، فقال له شيخه: فالذي يخرج من بطنك من أين هو؟ قال: فرجت عني. ل صورة فإن الذين أنكروه يوم القيامة في بعض الصور كان لقصور معرفتهم، وهذا جهل منهم فإن الذين أنكروه يوم القيامة ثم عرفوه لما تجلى لهم في الصورة التي رأوه فيها أول مرة هم الأنبياء والمؤمنون وكان إنكارهم مما حمدهم ﷾ عليه فإنه امتحنهم بذلك حتى لا يتبعوا غير الرب الذي عبدوه فلهذا قال في الحديث وهو يسألهم ويثبتهم: " وقد نادى المنادي ليتبع كل قوم ما كانوا يعبدون " ثم يقال لهؤلاء الملاحدة إذا كان عندهم هو الظاهر في كل صورة فهو المنكِر وهو المنكَر كما قال بعض هؤلاء لآخر من قال لك: إن في الكون سوى الله فقد كذب، وقال له الآخر: فمن هو الذي كذب؟ وذكر ابن عربي أنه دخل على مريد له في الخلوة وقد جاءه الغائط فقال ما أبصر غيره أبول عليه، فقال له شيخه: فالذي يخرج من بطنك من أين هو؟ قال: فرجت عني. ومر شيخان منهم التلمساني هذا والشيرازي على كلب أجرب ميت فقال الشيرازي للتلمساني: هذا أيضًا من ذاته؟ فقال التلمساني: هل ثم شيء خارج عنها؟ وكان التلمساني قد أضل شيخًا زاهدًا عابدًا ببيت المقدس يقال له أبو يعقوب المغربي المبتلى حتى كان يقول: الوجود واحد، وهو الله، ولا أرى الواحد، ولا أرى الله. ويقول نطق الكتاب والسنة بثنوية الوجود والوجود واحد لا ثنوية فيه، ويجعل هذا الكلام له تسبيحًا يتلوه كما يتلو التسبيح. وأما قول الشاعر: إذا بلغ الصب الكمال من الهوى ... وغاب عن المذكور في سطوة الذكر فشاهد حقًا حين يشهده الهوى ... بأن صلاة العارفين من الكفر فهذا الكلام مع أنه كفر هو كلام جاهل لا يتصور ما يقول فإن الفناء والغيب هو أن يغيب بالمذكور عن الذكر وبالمعروف عن المعرفة وبالمعبود عن العبادة حتى يفنى من لم يكن ويبقى من لم يزل، وهذا مقام الفناء الذي يعرض لكثير من السالكين لعجزهم عن كمال الشهود المطابق للحقيقة، بخلاف الفناء الشرعي فمضمونه الفناء بعبادته عن عبادة ما سواه وبحبه عن حب ما سواه، وبخشيته عن خشية ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه، فإن هذا تحقيق التوحيد والإيمان. وأما النوع الثالث: من الفناء وهو الفناء عن وجود السوى بحيث يرى أن وجود الخالق هو وجود المخلوق - فهذا هو قول هؤلاء الملاحدة أهل الوحدة، والمقصود هنا أن قوله يغيب عن المذكور كلام

1 / 105