مجموعة رسائل حول الزيدية
الجزء الثاني
إعداد
الشريف أبو الحسن الرسي
صفحه ۱
فدك عند أهل البيت (ع)
صفحه ۱
[تمهيد]
رسائل مهداة إلى إخوة البحث في كل مكان وزمان ،
أودعنا فيها من كل بستان زهرة ، ومن كل بحر قطرة
سائلين الله عز وجل القبول ، وأن يجعل أعمالنا خالصة
نقية من كل دغل ورياء ، وطالبا من قارئي هذه السطور
الدعوة لكاتبها بالمغفرة والقبول ، وفق الله الجميع لما يحب
.......
صفحه ۱
[المقدمة]
بسم الله الرحمن الرحيم
فدك عند أهل البيت (ع)
...الحمد لله رب العالمين، الذي من علينا برسوله الكريم ونبيه العظيم، ليزكينا، ويخرجنا من الظلمات إلى النور ، وإلى الطريق المستقيم، وأنعم علينا بأهل بيت نبيه المطهرين ، الذين قرنهم بكتابه المبين، واختارهم من بين بريته أجمعين ، ليواصلوا نهج نبيه الأمين في الدعوة إلى الهدى والدين، وليحرسوا دينه من تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وصلوات الله، وبركاته على محمد وآله الطاهرين.
وبعد :
صفحه ۱
...فإن قضية فدك التاريخية قد أثير حولها من الجدل الشيعي والسني ، ما لو نطقت عنه المحابر لصاحت واشتكت ، إذ لو سألنا المتأخرين عن نزاع المتقدمين في هذه المسألة لسردوا وأطالوا في السرد ، ولو سألنا متأخري المتأخرين عن نزاع المتأخرين في هذه المسألة لأطالوا في السرد ، ثم نحن لو نحكي حال متأخري المتأخرين وما قالوه ونقلوه ، وجادلوا به في هذه المسألة لوجدنا أقوالا كثيرة ، ثم بعد هذا كله لا اقتناع ولا تسليم!! ، فأين تكمن المشكلة ؟! وماهو الحل ؟! ، فالحق أن الحق في هذا الجدال الطويل العريض ليس إلا واحد ، إما لأبي بكر ، وإما لفاطمة ، وسوء الفهم عند استقراء النصوص في هذه الحادثة لا شك أنه سبب رئيس في تصعيد حجم مشكلة عدم الاقتناع ، والتسليم للحق ، وأهم من سوء الفهم ، التعصب لآراء الرجال ومواقفهم ، وهذا فداء عضال ليس له من دواء ، إلا استحضار الإنصاف والاعتدال في النظر والبحث والنقد والترجيح ، ومنه فإنه لا عيب في إطالة الجدال بغية الوصول إلى الحقيقة ، وإنما السفه كل السفه أن نجادل لأجل الجدل ، لا لأجل الوصول إلى وجه الصواب الحاسم في المسألة ، وهذا فإن حصل وكان ، فإن النتيجة عدم اقتناع ولا وصول إلى الحقيقة ولو بعد آلاف آلاف القرون ، نعم ! ونحن فيعلم الله تعالى أن لا غرض لنا بكتابتنا هذه ، غير النزول عند حكم الله تعالى ، وحكم رسوله (ص) ، بلا إفراط ولا تفريط في القول ، نستعرض تاريخ فدك في عهد رسول الله (ص) باختصار ، ثم نناقش كيفية انتقال فدك إلى ملك فاطمة (ع) ، هل بالإرث أم بالهبة ، ونذكر أدلة هذا من مصادر الطرفين (الزيدية ، والسنة) ، ثم نناقش آلية وكيفية النزاع الذي حصل بين أبي بكر وفاطمة (ع) ، ونذكر في هذا ثلاث كيفيات مشهورة مع مناقشتها ، ثم بعد الوقوف على كيفية تملك فاطمة لفدك ، وكيفية النزاع الذي بينها وبين أبي بكر ، نذكر رأي أهل البيت (ع) في المحق من المبطل في هذا المسألة، والإجماع فنستنتجه من أقوالهم (ع) ، ولسنا حريصين هنا على إبداء رأي أهل البيت (ع) نقضا لقاعدة عدم التقليد والتأثر بآراء الرجال في مسائل البحث والتفتيش ، بل العكس من ذلك تماما فإن معرفة رأي أهل البيت (ع) في هذه المسألة مهم بل وحاسم لو تؤمل في أصوله جيدا ، فرأيهم حاسم لأن الله والرسول (ص) قرنهم بالكتاب ، فالحق مع ما أجمع عليه سادات بني الحسن والحسين ، ورأيهم حاسم لأن الدائرة على أمهم البتول صلوات الله عليها وعليهم ، وليسوا بالمتهمين في دينهم وصدقهم ، نعم ! ثم تناولنا أبرز ما قد يطعن ويعترض على الزيدية به في مذهبهم في هذه المسألة ، وناقشناه بما نسأل الله تعالى أن يكون حقه أكثر من باطله ، وصحيحه أكثر من سقيمه ، فإن يكن الحق هو فلله الحمد والمنة ، وإن يكن غير ذلك فإن الله غفور رحيم ، إذ قد احتطت لنفسي بعدم التساهل المفرط الذي يظلم البتول الزهراء (ع) ، ولا التشدد المفرط الذي يظلم أبا بكر صاحب الرسول (ص) ، وكل هذا اقتداء مني بسادتي وأهل بيت نبيي صلوات الله عليه وعليهم إلى يوم الدين ، على أنه جدير بالذكر بالذكر أن هذا البحث موجه لخصوص الأصحاب أكثر منه إلى عموم الناس ، ولن تخلو أن تطال الفائدة منه الجميع بإذن الله تعالى ، نعم ! وهذا فأوان الابتداء وعلى الله التكلان ، وبه العياذ من الخذلان :
صفحه ۳
فدك في عهد الرسول (ص) :
صفحه ۱
...فدك عبارة عن تسع أراضي زراعية تقع حول المدينة المنورة ، هال أهلها ما أوقع الرسول (ص) بأهل خيبر ، في السنة السابعة للهجرة ، وذلك لما عاندوا ، فأرسلوا إلى رسول الله (ص) ، مسلمين فدك بما فيها ، فدخلت فدك في حمى الإسلام ، بدون حرب ، ولا إيجاف خيل ، ولم يتعب المسلمون في الدخول إليها ، فكانت بهذا من نصيب رسول الله (ص) ، خصه الله بها من دون المسلمين ، فكانت في يده ، ولا يختلف جمهور المسلمين فيما أوردناه سابقا . نعم ! فكان رسول الله (ص) إمام المسلمين يتصرف في فدك كيف شاء ، أولا : لأنها ملكه دون المسلمين ، بإجماع الأمة. وثانيا : لأنه إمام المسلمين ، وهي تحت تصرفه، وفي هذا يقول الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، متكلما عن أنواع الأراضي التي في يد الإمام : (( وأرض صالح عليها أهلها وهم في منعة فلا يؤخذ منهم ، إلا ما صولحوا عليه، مثل أهل نجران وغيرهم من البلاد ، فهذه أيضا لبيت مال المسلمين ، وأرض أجلي عنها أهلها ، وخلوها من قبل أن يوجف عليهم بخيل أو ركاب ، أو يقاتلوا ، مثل فدك ، فما كان من الأرضين على هذا فإمام المسلمين أولى بها يصرفها حيث شاء ورأى))(1)[1] ، وهو حق منه (ع) ، فالرسول إمام المسلمين وفدك في يده لهذا السبب ، وهي في يده أيضا لسبب تملكه لها دون المسلمين ، أما أراضي أهل نجران التي صالحوا رسول الله (ص) عليها ، فأرجعها رسول الله (ص) لبيت المال ، وصرفها كإمام غير مالك ، فهذه الخراجات والغلات النجرانية بعد رسول الله (ص) ، تكون من حق بيت مال المسلمين ، والإمام الشرعي هو المتصرف فيها ، وفرق بين أراضي أهل نجران وبين فدك ، فأراضي أهل نجران يتصرف فيها الرسول (ص) بغير ملكية منه لها ، بعكس فدك فإنه (ص) يتصرف فيها وهو المالك لها ، فلو أنه (ص) صرفها في غير بيت مال المسلمين ما أوخذ على ذلك ، لأنها في حقه وفي ملكه ، بعكس أراضي أهل نجران فإن صرفها في بيت مال المسلمين واجب ، فافهم ذلك ، لأنه أصل خطير ، يترتب على فهمه إيرادات وإصدرات كثيرة ، فرسول الله (ص) ما كان يصرف من فدك على المسلمين إلا تكرما وتفضلا ، لا حتما وإيجابا وفرضا من الله عليه ، كأراضي أهل نجران مثلا ، وقد روى أبي داود وغيره ما يثبت أن الرسول (ص) كان يتصرف بفدك تصرف المالك المستقل ، المنفق على البعض دون البعض ، كيفما شاء ، وأنه يخص بها جماعة دون جماعة حسب اختياره ، فروى أبي داود في السنن أن عمر بن عبدالعزيز جمع بني مروان وقال لهم : ((إن رسول الله ، كانت له فدك فكان ينفق منها ويعود منها على صغير بني هاشم ويزوج منها أيمهم))(1)[2] .
---
صفحه ۲
فدك ملك للرسول (ص) ، نحلة لفاطمة الزهراء (ع) :
نعم! فإن أنت رحمك الله علمت هذا ، وأيقنته ، فهلم الحديث عما يقوي عقيدتك حول كلامنا السابق ، من أن رسول الله (ص) هو المالك الوحيد لقرى فدك دون المسلمين ، وذلك لأنه ثبت بما لا يجعل للشك مدخلا ، أن رسول الله (ص) أنحل (وهب) فاطمة (ع) أرض فدك ، من طرق متعددة ، فلو كانت للمسلمين جميعا ، ما كان لرسول الله (ص) الحق أن ينحل ابنته أرضا ليست له ، وسننقل هنا إجماع جمهور من أهل العلم على هذه النحلة ، التي قد يعتقد البعض القليل الكثير!! ، أنها دعوى فارغة ، عارية عن الصحة ، والله المستعان .
صفحه ۱
[أولا : روايات الإنحال من غير طريق الزيدية]
[ أولا : روايات النحلة من غير طريق الزيدية ]
1- قال جلال الدين السيوطي في الدر المنثور 5/273 : (( وأخرج البزار ، وأبو يعلى ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : ((لما نزلت هذه الآية : ((وآت ذا القربى حقه)) ، دعا رسول الله فاطمة، فأعطاها فدك ))(1)[1] .
2- روى الهندي في كنز العمال بسند صحيح (قال : إلا الواقدي) : (( .. فقال أبو بكر : أبوك والله خير مني وأنت خير من بناتي . وقد قال رسول الله : (لا نورث ما تركناه صدقة)) ، يعني هذه الأموال القائمة ، فتعلمين أن أباك أعطاكها ، فوالله لئن قلت نعم لأقبلن قولك ، ولأصدقنك . قالت : جاءتني أم أيمن ، فأخبرتني أنه أعطاني فدك . قال عمر : فسمعته يقول هي لك ، فإذا قلت قد سمعته فهي لك فأنا أصدقك ، فأقبل قولك . قالت : قد أخبرتك بما عندي))(2)[2].
قلت : يهمنا هنا قول الزهراء (ص) أن رسول الله (ص) أعطاها فدك ، أو إخبار أم أيمن أن رسول الله (ص) أعطى فدك لفاطمة (ع) ، وإلا فمضمون الرواية فيه غرابة.
3- قال الواحدي في أسباب النزول : ((أخرج الطبراني وغيره عن أبي سعيد الخدري قال: لما أنزلت: ((وآت ذا القربى حقه)) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك))(3)[3] .
صفحه ۱
4- روى عمر ابن شبة في كتابه أخبار المدينة : ((.. حدثني النميري بن حسان ، قال : قلت لزيد بن علي رحمة الله عليه ، وأنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر ، إن أبا بكر رضي الله عنه انتزع من فاطمة رضي الله عنها فدك . فقال : إن أبا بكر رضي الله عنه كان رجلا رحيما ، وكان يكره أن يغير شيئا تركه رسول الله ، فأتته فاطمة رضي الله عنها فقالت : إن رسول الله أعطاني فدك ، فقال لها: هل لك على هذا بينة ؟!. فجاءت بعلي رضي الله عنه فشهد لها ، ثم جاءت بأم أيمن ، فقالت : أليس تشهد أني من أهل الجنة ؟! ، قال : بلى . قال أبو أحمد يعني أنها قالت ذاك لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما . قالت : فأشهد أن النبي أعطاها فدك . فقال أبو بكر رضي الله عنه : فبرجل وامرأة تستحقينها، أو تستحقين بها القضية . قال زيد بن علي : وايم الله لو رجع الأمر إلي لقضيت فيها بقضاء أبي بكر رضي الله عنه))(1)[4] .
قلت : يهمنا هنا أمر النحلة ، من الرسول (ص) ، لفاطمة الزاهراء (ع) ، وإثبات زيد علي (ع) له ، وستأتي مناقشة هذه الرواية عن زيد بن علي (ع) ، وما يترتب عليها ، قريبا .
5- روى أبو بكر أحمد بن عبدالعزيز الجوهري في كتابه السقيفة وفدك : (( ... حدثنا البحتري بن حسان، قال: قلت لزيد بن علي (عليه السلام)، ... [وأتى بنفس رواية ابن شبة السابقة ، بإثبات النحلة من الرسول لفاطمة (ع)]))(2)[5].
صفحه ۲
6- ومنه ما ذكره اليعقوبي في تاريخه ، فقال ما نصه : (( ورفع جماعة من ولد الحسن والحسين ، إلى المأمون يذكرون أن فدك كان وهبها (تأمل ) رسول الله لفاطمة وأنها سألت أبا بكر دفعها إليها بعد وفاة رسول الله ، فسألها أن تحضر على ما ادعت شهودا ، فأحضرت عليا والحسن والحسين وأم أيمن ، فأحضر المأمون الفقهاء ، فسألهم عن [ ما] رووا أن فاطمة قد كانت قالت هذا ، وشهد لها هؤلاء ، وأن أبا بكر لم يجز شهادتهم ، فقال لهم المأمون : ما تقولون في أم أيمن ؟ قالوا : امرأة شهد لها رسول الله بالجنة ، فتكلم المأمون بهذا بكلام كثير ونصهم إلى أن قالوا إن عليا والحسن والحسين لم يشهدوا إلا بحق فلما أجمعوا على هذا ردها على ولد فاطمة وكتب بذلك ، وسلمت إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن عبد الله بن الحسن [الحسين] بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب))(1)[6] .
---
صفحه ۳
[ثانيا : روايات الإنحال من طريق الزيدية]
[ ثانيا : روايات النحلة من طريق الزيدية ]
... وهنا ننقل روايات سادات أهل البيت (ع) ، وشيعتهم الكرام ، في أمر إعطاء رسول الله (ص) ، فدك لفاطمة الزهراء (ع) ، فمنها :
1- قال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في النهج : ((بلى! كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله . وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانها في غد جدث))(1)[1].
صفحه ۱
تعليق : هنا تأمل كيف جعل أمير المؤمنين (ع) ، فدك في أيديهم ، وما كان في يد فاطمة (ع) ، فهو في يد علي (ع) ، وفي يد ولدها ، وتأمل أيضا أن سياق هذا الكلام ، كان واقعا ضمن كتاب يزهد فيه أمير المؤمنين (ع) عثمان بن حنيف الأنصاري في أمر الدنيا ، فيذكر الإمام (ع) مستطردا حاله ، وزهده عن فدك ، التي كانت بأيديهم ، وأنهم ما تركوها إلا سخاء منهم ، عندما شحت النفوس عليها ، فافهم ذلك ، فهذا أصل قوي يمسك به . نعم ! قال الإمام يحيى بن حمزة (ع) ، في الديباج الوضيء شارحا لكلام الإمام السابق : (( "قد كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء" : فدك : قرية قريبة من المدينة نحلها (تأمل) رسول الله فاطمة ، وأعطاها إياها، وكانت مما لم يوجف عليه بخيل ولا بركاب، فكان رسول الله يأخذ منها لخاصة نفسه ما يحتاجه، ثم أعطاها بعد ذلك فاطمة ... ، "فشحت عليها نفوس قوم" : يشير إلى ما كان من تيم وعدي وبني أمية، وإنما عدى شحت بعلى ؛ لأن الشح في معنى الحرص، فإن فاطمة عليها السلام أخبرت بأن أباها نحلها إياها (تأمل) ، فمنعها أبو بكر ذلك، وكان هذا من أقوى ما يذكر في مطاعن خلافته ، مع ما كان من حديث الميراث ، وغير ذلك من المطاعن، فإنها لما ادعتها قال لها أبو بكر : أثبتي برجلين أو برجل وامرأتين، فقد قيل: إنها جاءت بأمير المؤمنين فأبى ذلك، ولعله [أي أبو بكر] كان يذهب إلى بطلان الحكم بالشاهد واليمين للمدعي، وفاطمة تذهب إلى جواز ذلك . "وسخت عنها نفوس آخرين" : يشير إلى نفسه وفاطمة والحسن والحسين، وإنما عداه بعن؛ لأن السخاوة متضمنة لانقطاع الرغبة عن الشيء المسخو به، فلهذا عداه بعن؛ لأنهم لما رأوا من كثرة المطالبة فيها أهملوها وتركوها. "ونعم الحكم الله" : بين الخلائق، أو فيما ندعي من فدك وغيرها))(1)[2] ، اه بحروفه ، ويقول ابن أبي الحديد المعتزلي في الشرح : ((سامحت وأغضت ، وليس يعني هاهنا بالسخاء إلا هذا ، لا السخاء الحقيقي ، لأنه (ع) وأهله لم يسمحوا بفدك إلا غصبا وقسرا))(2)[3] .
2- روى أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح ، بإسناده ، عن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، قال : (( جاءت فاطمة بنت رسول الله إلى أبي بكر ، فقالت: إن رسول الله أعطاني (تأمل) فدكا في حياته ... إلخ )) (3)[4] .
تعليق : الغرض هنا هو الإشارة لثباتية النحلة من الرسول (ص) للزهراء (ع) ، وسنأتي على الخبر كاملا ، عند مناقشة روايات كيفية مطالبة الزهراء (ع) بفدك .
3- روى أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح ، بإسناده ، عن جعفر بن محمد، عن أبيه : (( أن فدكا تسع قريات متصلات ، حد منها مما يلي وادي القرى ، غلتها في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، لم تضرب بخيل ولا ركاب ، أعطاها (تأمل) النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة -عليها السلام- قبل أن يقبض بأربع سنين ، وكانت في يدها تحتمل غلاتها، وعبد يسمى جنيرا وكيلها ... إلخ ))(4)[5] .
صفحه ۳
4- روى أبو العباس الحسني (ع) في المصابيح ، بإسناده ، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي عليهما السلام : (( أنه -أبو بكر- أخرج وكيل فاطمة من فدك، وطلبها بالبينة بعد شهر من موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما ورد وكيل فاطمة عليها السلام ، وقال: أخرجني صاحب أبي بكر، سارت فاطمة عليها السلام ومعها أم أيمن ونسوة من قومها إلى أبي بكر، فقالت : فدك بيدي أعطانيها (تأمل) رسول الله وتعرض صاحبك لوكيلي .. إلخ)) (1)[6] .
5- روى حافظ الزيدية محمد بن سليمان الكوفي رحمه الله في المناقب ، بإسناده ، عن أبي مريم الأنصاري وأبان بن تغلب ، عن جعفر بن محمد (ع) ، قال : لما نزلت هذه الآية : ((وآت ذا القربى حقه)) ، قال : دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فأعطاها (تأمل) فدك . قال أبان بن تغلب : قلت لجعفر بن محمد : من رسول الله أعطاها ؟!. قال (ع) : بل الله أعطاها))(2)[7] .
6- أجاب الإمام نجم آل الرسول القاسم الرسي الحسني (ع) ، على مسألة ابنه محمد رضوان الله عليه ، عن تراث الرسول (ص) ، فتضمن جوابه (ع) ، ما نصه: ((وذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطى فاطمة صلوات الله عليها فدكا )). وفي موضع آخر ، يجيب عن مسألة ابنه ، فيقول : ((ادعت فاطمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهب فدكا لها في حياته، وشهد لها به مؤمنان ، علي وأم أيمن.)) (3)[8] .
صفحه ۴
1- قال صاحب المستطاب يحيى بن الحسين : ((ومنهم علي بن العباس الأزرق الأسدي الكوفي ، راوي حديث أبي سعيد لما نزلت ((وآت ذا القربى حقه)) ، دعا النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فاطمة فأعطاها فدكا . وقد رواه أئمتنا عليهم السلام))(1)[9] .
8- قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ، في الشافي : ((كان من أمر فاطمة عليها السلام السلالة المرضية، والنسمة الزكية، والجمانة البحرية، والياقوتة المضيئة، ماكان من النزاع في الإرث، وبعد ذلك في أمر النحلة لفدك وغيره ، ماشاع في الناس ذكره ، وعظم على بعضهم أمره)) (2)[10] .
9- قال الفقيه العالم حميد بن أحمد المحلي : ((وعند العترة عليهم السلام ، أن فدكا كان في يدها بطريقة النحلة من رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-))(3)[11] .
10- وينقل العلامة الزحيف في كتابه مآثر الأبرار ، قول أبي القاسم البستي الزيدي : ((قال البستي : والذي نقول في ذلك : إن فدك وخيبر كانا لها -لفاطمة- ، ومعلوم أنها ادعت وناظرت أبا بكر، وأهل البيت أجمعوا على ذلك عنها، ..))(4)[12] .
صفحه ۵
نعم ! ومن هذا كله ، أخي في الله ، عرفنا وعرفت ، واطلعنا واطلعت ، على أن أمر النحلة ثابت عن رسول الله (ص) ، وكان ما سبق من كلام الإمام علي بن أبي طالب (ع) ، وزيد بن الحسن بن علي ، وجعفر الصادق ، وعبدالله المحض ، وزيد بن علي في رواية العامة عنه ، دليل على إجماع أهل البيت (ع) على أن فدك كانت لفاطمة (ع) ، نحلة وهبة من رسول الله (ص) ، فإن عرفت هذا ، بقي الكلام على كيفية انتزاع فدك من فاطمة (ع) ، وكيف ادعت فاطمة على منتزعيها ، وأقصى ما يترتب على ذلك تخطئة وتصويبا في الأحكام ، ومن هذا كله ، سنقف بإذن الله تعالى على إجماع أهل البيت (ع) في مسألة النزاع ، ومن المخطئ ومن المصيب .
---
صفحه ۶
فدك في عهد أبي بكر ، وكيفية النزاع حولها :
...أنحل رسول الله (ص) فدكا فاطمة ، وهنا انتقلت فدك من ملك رسول الله (ص) إلى ملك فاطمة (ع) ، فأرسلت وكيلا لها عليها يدعى جنيرا ( ولا دقة في زمن الإرسال لهذا الوكيل ، أفي عهد الرسول أم بعد موته ، ولكن الأكيد أنه كان لها وكيلا على الأرض) ، ولم تمنع عليها السلام رسول الله (ص) من التصرف في غلات هذه الأرض بعد تملكها ، ودليل هذا هو ظن بعض الصحابة بعد موت رسول الله (ص) أن هذه الأرض مازالت ملكا لرسول الله (ص) ، لما رأوه يتصرف فيها تصرف المالك إلى أن توفي، نعم ! مات الرسول (ص) وانتقلت الخلافة ظلما لأبي بكر ، وبعد شهر من الزمان ( وقيل نصف الشهر ) ، استنكر أبو بكر وجود عامل لفاطمة (ع) في أرض فدك ، جهلا منه بامتلاكها إياها ، فأرسل عامله مخرجا وكيلها جنيرا من فدك ، أخبر جنيرا سيدته فاطمة الزهراء (ع) بفعل أبي بكر معه . نعم ! ومن هنا اختلفت الروايات في إبراز ما دار بين فاطمة (ع) وبين أبي بكر بن أبي قحافة ، ونحن هنا ذاكرون ما وقع تحت أيدينا منها ، ومتكلمين على أقصى ما يترتب عليها ، وقد أخذنا على عاتقنا أن ننصف المخالف من أنفسنا :
صفحه ۱
الرواية الأولى في كيفية المنازعة :
...أن فاطمة طالبت أبا بكر بفدك على أساس أنها هبة لها من رسول الله ، فطالبها أبو بكر بالبينة، فشهد لها علي وأم أيمن ، فاعتبر أبو بكر نصاب الشهادة ناقصا، وقال: يابنة الصفوة ائتيني برجل مع الرجل ، أو بامرأة مع المرأة؛ لأن الله تعالى يقول : ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان)) ، فلم تجد.
ما يترتب على هذه الرواية :
لنا : أبو بكر على ضوء الرواية ، مسلم بالهبة ، وامتلاك فاطمة لفدك ، متى أحضرت الشهود ، وعليه فإن هذه الرواية تسقط غيرها من الروايات التي طالبت فيها فاطمة بفدك على أنها إرث، واحتج عليها بأن الرسول (ص) ، قال : ((نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة)) .
علينا : أبو بكر لم يطلب من فاطمة ، إلا شرعا ، فنصاب الشهادة ناقص ، فإما رجلان ، أو رجل وامرأتان ، وفاطمة لم تحضر إلا رجل وامرأة ، فحكم أبي بكر صحيح بظاهر الشرع ، عندما منع فاطمة فدكا ، وهو بذلك مجتهد على ضوء الشرع ، وهو مأجور .
صفحه ۱
لنا : أن أبا بكر ليس بالرجل الجاهل ، بحال الشهود ، ولا بمداخل الشريعة ومخارجها ، فالاجتهاد الذي يؤجر عليه العالم ، حتما لا يجر غضب الله والرسول ، وقد ثبت قطعا وإجماعا ، أن غضب فاطمة هو غضب الله والرسول ، وقد ثبت قطعا وإجماعا : أن فاطمة سيدة نساء العالمين ، فكان على أبي بكر أن يتحرى في اجتهاده عند معرفته لمنزلة فاطمة (ع) ، ثم كان عليه أن يتحرى أكثر وأكثر عندما تحضر سلام الله عليها ، رجلا يدور الحق معه أينما دار ، منزه عن الزور والباطل ، وعندما تحضر سلام الله عليها ، امرأة شهد لها رسول الله (ص) بالنجاة والجنة . نعم ! أضف إلى ذلك أن شهادة الرجل الثقة الثبت العادل الواحد قد أخذ بها الرسول (ص) ، ولا أخالنا نجهل حال ذي الشهادتين ، خزيمة بن ثابت رضوان الله عليه ، مع رسول الله (ص) ، وذلك عندما اشترى رسول الله (ص) فرسا من أعرابي ، ثم أنكر الأعرابي أنه باعها من رسول الله (ص) ، وطلب الأعرابي من الرسول (ص) شهودا ، وتجمع المسلمون ينعون على الأعرابي ، بأن ويحك أمن رسول الله (ص) تطلب الشهود ، فشهد للرسول (ص) خزيمة بن ثابت ، فجعل رسول الله (ص) شهادة خزيمة بن ثابت شهادة رجلين اثنين ، ولذلك سمي ذو الشهادتين ، أضف إلى ذلك أنه قد أثر لنا عن فقيه الآل أحمد بن عيسى بن زيد بن علي (ع) ، وهو الرجل ، أنه سئل عن رجل تجوز شهادته وحده ، فقال (ع) : (( لا ، إلا عليا ، والحسن ، والحسين . فقيل : وكيف ذلك ؟!. قال: لأنهم معصومون))(1)[1] ، أضف إلى ذلك ، أن رسول الله قد قبل شهادة الرجل الواحد في هلال شهر رمضان(2) [2] ، وقال مالك بن أنس : ((لا تجوز شهادة الرجل الواحد مع يمين الطالب إلا في الأموال))(1)[3] ، وفدك من الأموال ، وروى ابن ماجة أن النبي (ص) أجاز شهادة الرجل ويمين الطالب(2)[4]، وذكر عبدالرزاق في مصنفه: ((أن شريحا أجاز شهادة امرأتين!! في عتق))(3)[5] ، وقال القرطبي في الاستذكار : (( وقال ابن القاسم من أقام شاهدين على الغريم ، وأقام آخر عليه شاهدا ويمينا ، فهما سواء في أسوة الغرماء . قال أبو عمر قد كان جماعة من جلة العلماء يفتون ويقضون باليمين مع الشاهد اتباعا للسنة (تأمل) في ذلك ، .. ، قال حماد ، وحدثني عبد المجيد بن وهب ، قال : شهدت يحيى بن يعمر قضى بذلك ))(4)[6] . أقول : هذا كله من غير طريق علماء أهل البيت (ع) ، فأما من طريقنا ، فنقول : قال الإمام القاسم الرسي (ع) : ((ما رأيت أهل البيت يختلفون في اليمين مع الشاهد-يعني في جواز ذلك- )) ، وقال الحافظ محمد بن منصور رحمه الله : ((بلغنا عن علي صلى الله عليه ، أنه قضى بشاهد ويمين في الحقوق)) ، وكان الإمام الباقر محمد بن علي (ع) يحلف بالله إن عليا (ع) قضى بشاهد ويمين بالكوفة -يعني في الأموال - . وروى الشريف العلوي عن جعفر الصادق عن آبائه عن الرسول (ص) ، أنه كان يقضي باليمين مع الشاهد في الحقوق(5)[7] . نعم! ومن هذا كله ، نقول أن أبا بكر على ضوء الرواية السابقة ، مجتهد مخطئ غير مأجور ، فحكمه أدى إلى غضب الله والرسول ، ونزع حق ثابت من أيدي أصحابه ، مع أنه كان بإمكانه أن يحكم بالشاهد واليمين في الحقوق ، اقتداء برسول الله (ص) ، وتخلصا من إغضاب سيدة نساء العالمين ، وليس ابن أبي قحافة عندنا ولا عند أصحابه بالرجل الجاهل بهذه الأحكام ، ولا بالجاهل بطرق الاجتهاد الفردي الخاص بالخليفة أو القاضي ، حسب الترجيح .
لنا : أن من مداخل الشريعة ومخارجها ، أن القاضي يحكم بعلمه في المسألة كما عند الشافعي وغيره من الفقهاء ، وكما هو المشهور عند أهل البيت (ع) ، ذكر هذا محمد منصور رحمه الله تعالى ، عن أحمد بن عيسى بن زيد (ع) ، وأقره أئمة الزيدية وفقهائهم ، فقال محمد بن منصور في الجامع : ((جائز للحاكم أن يحكم بعلمه في جميع ما ظهر عليه من حقوق الناس فيما بينهم، مثل الدماء والقصاص، والقذف، والنكاح والطلاق، والعتاق والدين والأموال وأشباه ذلك، سواء كان استشهد عليه أو لم يستشهد، وسواء كان قد علمه قبل أن يستقضي أو بعد ما استقضى، وسواء علمه في مجلس القضاء أو في غيره، قال بذلك أحمد بن عيسى بن زيد -عليه السلام- وغيره من أهله، وقال به أيضا حسن بن صالح، وأبو يوسف، وحسن بن زياد))(1)[8] ، فإن تقرر هذا ، فإن أقل التحري في مسألة مطالبة الزهراء (ع) ، وشهادة علي وأم أيمن ، هو أن يرقى هذا كله بالمسألة إلى درجة العلم بالنسبة إلى أبي بكر ، بأن الحق لفاطمة (ع) بشهادة هؤلاء الأفاضل ، وأنه لو حكم لها مع نقص نصاب الشهادة ، فإن هذا سيكون حكما بالصواب ، وأن منع الناس حقوقها، الذي هو رد لشهادة هؤلاء الأفاضل ، أقله أن يكون فيه نظر !! ، وأكثره أن يكون فيه ظلم .
صفحه ۴
لنا : أبو بكر حكم لغير فاطمة الزهراء (ع) ، بغير طلب للشهود ، فضلا عن إتمام نصاب الشهادة من عدمه ، فقد روى البخاري في صحيحه ، والبيهقي في السنن الكبرى : ((عن جابر بن عبد الله قال : لما مات النبي ، جاء أبا بكر مال من قبل العلاء بن الحضرمي ، فقال أبو بكر : من كان له على النبي دين ، أو كانت له قبله عدة ، فليأتنا ، قال جابر : فقلت وعدني رسول الله أن يعطيني هكذا وهكذا وهكذا فبسط يديه ثلاث مرات ، قال جابر : فعد في يدي خمسمائة ثم خمسمائة ثم خمسمائة ))(1)[9] ، ومنه : فإن الجلاء في تخطئة أبي بكر في حكمه بمنع فاطمة صلوات الله عليها فدكا ، يزداد في الوضوح ، ولكن الآذان قد تصدأ ، والأبصار قد تعمى ، والعياذ بالله تعالى .
---
صفحه ۵