مجموع الفتاوى

ابن تیمیه d. 728 AH
57

مجموع الفتاوى

مجموع الفتاوى

ناشر

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة

محل انتشار

السعودية

مِنْ اللَّهِ اتَّبَعَ هَوَاهُ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ طَالِبًا مَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ، فَإِنَّ نَفْسَهُ تَبْقَى طَالِبَةً لِمَا تَسْتَرِيحُ بِهِ وَتَدْفَعُ بِهِ الْغَمَّ وَالْحُزْنَ عَنْهَا وَلَيْسَ عِنْدَهَا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعِبَادَتِهِ مَا تَسْتَرِيحُ إلَيْهِ وَبِهِ؛ فَيَسْتَرِيحُ إلَى الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ فِعْلِ الْفَوَاحِشِ وَشُرْبِ الْمُحَرَّمَاتِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَذِكْرِ ماجريات النَّفْسِ وَالْهَزْلِ وَاللَّعِبِ وَمُخَالَطَةِ قُرَنَاءِ السُّوءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَسْتَغْنِي الْقَلْبُ إلَّا بِعِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ مُحْتَاجًا إلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهُ وَدَفْعِ مَا يَضُرُّهُ وَنَفْسُهُ مُرِيدَةٌ دَائِمًا وَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ مُرَادٍ يَكُونُ غَايَةَ مَطْلُوبِهَا لِتَسْكُنَ إلَيْهِ وَتَطْمَئِنَّ بِهِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا لِلَّهِ وَحْدَهُ؛ فَلَا تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ إلَّا بِهِ وَلَا تَسْكُنُ النُّفُوسُ إلَّا إلَيْهِ وَ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ فَكُلُّ مَأْلُوهٍ سِوَاهُ يَحْصُلُ بِهِ الْفَسَادُ وَلَا يَحْصُلُ صَلَاحُ الْقُلُوبِ إلَّا بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. فَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْقُلُوبُ مُخْلِصَةً لِلَّهِ الدِّينَ: عَبَدَتْ غَيْرَهُ؛ مِنْ الْآلِهَةِ الَّتِي يَعْبُدُهَا أَكْثَرُ النَّاسِ مِمَّا رَضُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ؛ فَأَشْرَكَتْ بِاَللَّهِ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ وَاسْتِعَانَتِهِ؛ فَتَعْبُدُ غَيْرَهُ وَتَسْتَعِينُ بِهِ لِجَهْلِهَا بِسَعَادَتِهَا الَّتِي تَنَالُهَا بِعِبَادَةِ خَالِقِهَا وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ؛ فَبِالْعِبَادَةِ لَهُ تَسْتَغْنِي عَنْ مَعْبُودٍ آخَرَ وبالاستعانة بِهِ تَسْتَغْنِي عَنْ الِاسْتِعَانَةِ بِالْخَلْقِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَبْدُ كَذَلِكَ: كَانَ مُذْنِبًا مُحْتَاجًا وَإِنَّمَا غِنَاهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَهَذَا حَالُ الْإِنْسَانِ؛ فَإِنَّهُ فَقِيرٌ مُحْتَاجٌ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ مُذْنِبٌ خَطَّاءٌ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ رَبِّهِ؛ فَإِنَّهُ الَّذِي يُسْدِي مَغَافِرَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ مِنْ ذُنُوبِهِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ﴾ فَبِالتَّوْحِيدِ يَقْوَى الْعَبْدُ وَيَسْتَغْنِي وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى النَّاسِ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وبالاستغفار يَغْفِرُ لَهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ عَذَابَهُ ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ فَلَا يَزُولُ فَقْرُ الْعَبْدِ وَفَاقَتُهُ

1 / 55