مجموع الفتاوى

ابن تیمیه d. 728 AH
53

مجموع الفتاوى

مجموع الفتاوى

ناشر

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة

محل انتشار

السعودية

فَصْلٌ: وَالسَّعَادَةُ فِي مُعَامَلَةِ الْخَلْقِ: أَنْ تُعَامِلَهُمْ لِلَّهِ فَتَرْجُوَ اللَّهَ فِيهِمْ وَلَا تَرْجُوَهُمْ فِي اللَّهِ وَتَخَافَهُ فِيهِمْ وَلَا تَخَافَهُمْ فِي اللَّهِ، وَتُحْسِنَ إلَيْهِمْ رَجَاءَ ثَوَابِ اللَّهِ لَا لِمُكَافَأَتِهِمْ وَتَكُفَّ عَنْ ظُلْمِهِمْ خَوْفًا مِنْ اللَّهِ لَا مِنْهُمْ. كَمَا جَاءَ فِي الْأَثَرِ: " اُرْجُ اللَّهَ فِي النَّاسِ وَلَا تَرْجُ النَّاسَ فِي اللَّهِ وَخَفْ اللَّهَ فِي النَّاسِ وَلَا تَخَفْ النَّاسَ فِي اللَّهِ " أَيْ: لَا تَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ أَنْوَاعِ الْعِبَادَاتِ وَالْقُرَبِ لِأَجْلِهِمْ لَا رَجَاءَ مَدْحِهِمْ وَلَا خَوْفًا مِنْ ذَمِّهِمْ بَلْ اُرْجُ اللَّهَ وَلَا تَخَفْهُمْ فِي اللَّهِ فِيمَا تَأْتِي وَمَا تَذْرُ بَلْ افْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ وَإِنْ كَرِهُوهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: ﴿إنَّ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ أَوْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ﴾ فَإِنَّ الْيَقِينَ يَتَضَمَّنُ الْيَقِينَ فِي الْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ وَمَا وَعَدَ اللَّهُ أَهْلَ طَاعَتِهِ وَيَتَضَمَّنُ الْيَقِينَ بِقَدَرِ اللَّهِ وَخَلْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ فَإِذَا أَرْضَيْتَهُمْ بِسَخَطِ اللَّهِ لَمْ تَكُنْ مُوقِنًا لَا بِوَعْدِهِ وَلَا بِرِزْقِهِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَحْمِلُ الْإِنْسَانَ عَلَى ذَلِكَ إمَّا مَيْلٌ إلَى مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الدُّنْيَا، فَيَتْرُكُ الْقِيَامَ فِيهِمْ بِأَمْرِ اللَّهِ؛ لِمَا يَرْجُوهُ مِنْهُمْ. وَإِمَّا ضَعْفُ تَصْدِيقٍ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ أَهْلَ طَاعَتِهِ مِنْ النَّصْرِ وَالتَّأْيِيدِ وَالثَّوَابِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَإِنَّك إذَا أَرْضَيْتَ اللَّهَ نَصَرَكَ وَرَزَقَكَ وَكَفَاكَ مُؤْنَتَهُمْ فَإِرْضَاؤُهُمْ بِسَخَطِهِ إنَّمَا يَكُونُ خَوْفًا مِنْهُمْ وَرَجَاءً لَهُمْ؛ وَذَلِكَ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ وَإِذَا لَمْ يُقَدَّرْ لَك مَا تَظُنُّ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَهُ مَعَك: فَالْأَمْرُ فِي ذَلِكَ إلَى اللَّهِ لَا لَهُمْ

1 / 51