والعبد له مشيئة، وله اختيار، ولكنه تابع لمشيئة الله ﷾، وقضائه وقدره، ولذلك يثاب على الطاعة ويعاقب على المعصية التي يفعلها باختياره وإرادته، أما الذي ليس له اختيار ولا إرادة كالمكره والناسي والعاجز عن فعل الطاعة، هذا لا يعاقب؛ لأنه مسلوب الإرادة والاختيار، إما بالإكراه، وإما بالنسيان، وإما بالعكس، أو بفقدان العقل كالمجنون والمعتوه، فهو في هذه الأحوال لا يعاقب على تصرفاته؛ لأنه فاقد للاختيار، فاقد للإرادة.
أما ما أشرت إليه من الآيتين الكريمتين، قوله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [التكوير: ٢٩]، هذا يؤيد ما ذكرنا؛ لأن الله أثبت للعبد مشيئة واختيارًا، وأثبت لنفسه ﷾ مشيئة، وجعل مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله ﷿، فدلت الآية الكريمة على إثبات المشيئتين، إثبات المشيئة للعبد، وإثبات المشيئة لله، وأما مشيئة العبد فتابعة لمشيئة الله ﷿.
وأما قوله تعالى: ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩]، هذا ليس معناه التخيير، بل هذا معناه الزجر والتهديد والتوبيخ ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩]، هذا معناه التهديد والتوبيخ، وأن الإنسان إذا عصى الله ﷾ وكفر بالله فإن الله يعاقبه؛ لأنه فعل الكفر باختياره، وفعل الكفر بإرادته ومشيئته، فهو يستحق عقاب الله، ودخول النار ﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا﴾ [الكهف: ٢٩] .
***
1 / 48