كتاب الرد على من جحد الله
وقال بقدم الهواء، وغيره من الأشياء
فإن سأل بعض الملحدين، أهل الحيرة المتمردين:
فقال: ما الدليل على حدث الهواء؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على حدثه أنه لم يخل من الزمان طرفة عين، ووجدنا الزمان محدثا وهو حينئذ سكون الهواء، فعلمنا أن ما لم ينفك من المحدث، ولم يوجد إلا بوجوده، أن سبيله في الحدث كسبيله.
فإن قيل: وما الدليل على حدث الزمان؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على حدثه أن كل ساعة لها أول وآخر، وكل ليلة، وكذلك كل يوم وشهر، فكلما حدثت ساعة انقطعت، فهذا دليل على حدث ما مضى من الزمان، فقد انقطع وفني، وما وقع عليه الانقطاع والفناء، فقد تناها، بين البيان، وأوضح البرهان.
فإن قال: وما أنكرت من الزمان أن يكون الزمان، الذي هو سكون الهواء قديما لم يزل، على ما ترى ساعة تبقى بعد ساعة، وساعة قبل ساعة، إلى مالا نهاية له؟كتاب الرد على من جحد الله ¶ وقال بقدم الهواء، وغيره من الأشياء ¶ فإن سأل بعض الملحدين، أهل الحيرة المتمردين: ¶ فقال: ما الدليل على حدث الهواء؟ ¶ قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على حدثه أنه لم يخل من الزمان طرفة عين، ووجدنا الزمان محدثا وهو حينئذ سكون الهواء، فعلمنا أن ما لم ينفك من المحدث، ولم يوجد إلا بوجوده، أن سبيله في الحدث كسبيله. ¶ فإن قيل: وما الدليل على حدث الزمان؟ ¶ قيل له ولا قوة إلا بالله: الدليل على حدثه أن كل ساعة لها أول وآخر، وكل ليلة، وكذلك كل يوم وشهر، فكلما حدثت ساعة انقطعت، فهذا دليل على حدث ما مضى من الزمان، فقد انقطع وفني، وما وقع عليه الانقطاع والفناء، فقد تناها، بين البيان، وأوضح البرهان. ¶ فإن قال: وما أنكرت من الزمان أن يكون الزمان، الذي هو سكون الهواء قديما لم يزل، على ما ترى ساعة تبقى بعد ساعة، وساعة قبل ساعة، إلى مالا نهاية له؟
إما أن يكون عنيت به الزمان الذي انقطع ومضى، وتصرم وفني.
وإما أن تكون عنيت غيره، فإن كنت عنيت غيره، فليس كلامنا إلا فيه، وإن كنت عنيته، فكيف لا يتناهى عند من عقل من أهل النهى شيء قد وقع عليه الانقطاع والفناء، وما انقطع وفني فقد تناهى.
ودليل آخر
إما أن تكون عنيت بقولك: كل ما فني ومضى من الزمان الذي هو سكون الهواء.
وإما أن تكون عنيت ما بقي منه الآن، فإن كنت تريد ما مضى منه وغبر، فقد أجبت نفسك من حيث لم تشعر، وإن كنت عنيت ما بقي من الدهور، وما هو يمر على الخلق ويدور، من الساعات والأيام والليالي والشهور، فها هو اليوم يمضي ساعة حادثة ويحدث غيرها، فكلها حدثت ساعة، فثبتت ساعة وتناهت.
فهذا دليل على ما مضى من سكون الهواء، ولا يزال ذلك أبدا بإبقاء الله تبارك وتعالى، وسنزيد إن شاء الله بيانا، ونوضح لك من ذلك هدى وبرهانا، ونسأل الله أن يوفقنا.
فنقول إن شاء الله: ما تقول أيها السائل عن حدث الهواء؟ أهو في ذلك عندك ساكن أم لا؟
فإن قال: ليس بساكن كابر عقله، واستغني عن مناكرته بجهله، بأن الهواء لابث غير زائل، لا يمتنع من لبثه عاقل، ولا يكابر فيه عالم ولا جاهل.
وإن أقر بسكونه، قيل له: أخبرنا أكله ساكن أم لا؟
فإن قال: إلا بعضه كذب كذبا بينا، وإن قال: بل هو ساكن كله، فللكل نهاية وغاية، لا يخلو من السكون، والسكون يدل على تناهيه وتجديده، إذ لا يخلو منه.
ألا ترى أن الشيء إذا لم يخل من صفته، فذلك دليل على حدوده، كمثل اللون والحركة، والسكون والمسخة، وغيرهن من الأعراض، والكلية والأبعاض.
فإن قال: وما أنكرت من أن يكون الساكن ساكنا إلى مالا نهاية له؟
صفحه ۸۱