قلت: وعند التحقيق مفاد أحاديث العرض لايأباه أحد من علماء الإسلام، وإنما نشأ الخلاف فيه من عدم التدبر لمعناه والوقوف على حقيقته ومرماه، وذلك أنه تبادر إلى أذهان الكثير خلاف المقصود من الموافقة والمخالفة فحملوا قوله: ((وماخالف)) على المغايرة وعدم المماثلة فلزم عندهم أن لايقبل من السنة إلا ماكان في القرآن مثله، فلم تبق السنة على مقتضاه إلا مؤكدة، وذلك خلاف المعلوم، وليس الأمر كما تصوروه بل الموافقة: المماثلة، والمخالفة: المعارضة والمناقضة.
هذا الذي تقتضيه العربية ومنه يعلم أن أحاديث العرض لم تحصر مافي السنة على الموافقة والمخالفة، وأن ثمة قسما ثالثا لايوصف بموافقة ولامخالفة، فما صح منه أخذ لدلالة نحو قوله تعالى: ((وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا))[الحشر:7].
وقد تكلمت في فصل الخطاب في خبر العرض على الكتاب، ولخصت ماتحصل بما فيه كفاية إن شاء الله تعالى، ويعلم أيضا أن ليس مقصود الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت عليهم السلام من العرض إلا رد ماكذب على الله تعالى ورسوله، وحينئذ فهو ماقضت به الحجج ونطقت به الدلائل، فكتاب الله تعالى المرجع والمفزع ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)) [المائدة:44] الآيات.
صفحه ۵۳