============================================================
(2) ودونك زبدة "الحلية" مخضلة الربى، دانية الجني، مواعظها باسقة، وحكمها متناسقة، درها يتيم، ونسيمها عليل، رياضها آهل بثمرات الاعتبار، ومنهلها عذب مبارك، فطوبى لمن ورده وبل الصدى، وقطع عنه العلائق وفاز بالرضى زل طيت وماه مين ونرى أرضها بفوح هييرا وسعدا لمن تأسى بأولئك، واستجاشت مشاعره رغبة إلى ما هنالك، وتشرب جوهره من رحيق حبهم، فاقتفى مسلكهم، وتفكر في جواهر كلمهم وعزيز حكمهم؛ فإن ذلك أدعن إلى حسن الاقتداء، والانخراط في سلك الأصفياء : فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ان التشبه بالكرام فلاح (3) إن "حلية الأولياء" كتابت من غرر التراث، وسفر ينضح بالأصالة الدينية، ويبزز مآثر الاستقامة؛ فهو سفر بل أسفار جامعة لتراجم أعيان أولي الفضل، من علماء هذذه الأمة وصلحايها، وأقطاب العصور وزهادها فقد نظم سلكه مآثر القوم ، وصدحت حمائم رياضه بجميل المحاسن، فجلى لنا بأسانيد الثقات سيرا عطرة، وجمع من حكمهم دررا كانت قبل منتثرة، وقيد فيه من كراماتهم ما يؤذن بمكانة هؤلاء الأعلام النبلاء ، والأئمة الأتقياء الأصفياء .
(4 بيد أن نفس الإمام الحافظ أبي نعيم كان طويلا، وأحاديث " حليته " شغلت حيزا كبيرا ، حتى أصبح أشبه بالمسند؛ لأنه إمام حافظ، وضابط متقن، ولذلك استقى من معين النبوة مثات الأحاديث، وأسندها بأزيتها وخطمها، وربما امتد حفظه إلى تبيان علل خفية، وغوامض إسنادية، اكتنفت تلك الأحاديث، وهو علم لا يفقه كنهه العامة، ولا يهش إلى خفاياه إلا الخاصة، وجمهرة الناس يظنون - بل يعتقدون - أنهم عن ذلك في غنية ومن جهل شيئا. عاداه وعلى كل.، فقد أضحى هلذا الكتاب على غرر المحاسن مشتملأ، وعلى عزيز الفوائد
صفحه ۱۵