معجم المختلطين
معجم المختلطين
ناشر
دار أضواء السلف
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٥ م
محل انتشار
الرياض - السعودية
ژانرها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدَمةُ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﷺ.
أما بعد:
فهذا بحث يتكلم عن الرواة الذين وُصفوا بالاختلاط أو التغير أو سوء الحفظ في آخر عمرهم.
وقد قمت بتجميع مادته من كتب الأئمة المتقدمين التى تتكلم عن الرجال، وكتب الأئمة المتأخرين التى تتكلم عن الرواة الموصوفين بالاختلاط.
وامتاز بحثي هذا أن به أقوال في الرواة الموصوفين بالاختلاط لا توجد في الكتب التى صنفت في هذا المجال.
انظر: ترجمة سعيد بن أبي عروبة وسفيان بن عيينة وأبي إسحاق السبيعي.
وقد وضعت في كتابي هذا كل راوٍ ذُكر في كتب المختلطين سواء صح وصفه عندي بالاختلاط أم لا.
فقد ذُكر بعض الرواة في كتب المختلطين بناءً على قول ليس معناه الاختلاط الاصطلاحي.
1 / 5
فالأئمة المتقدمون وصفوا بعض الرواة بأنهم مخلطين، فظن بعض الذين صنفوا في المختلطين أن مخلط بمعنى مختلط، وليس كذلك، فمخلط معناها سيء الحفظ للأسانيد والمتون ولا يأتي بها على وجهها.
فَيُردُّ حديث هذا المخلط لسوء حفظه، ولا ينبغي التفريق بين أول أمره وآخره.
انظر: ترجمة إسماعيل بن مسلم المكي وخصيف بن عبد الرحمن الجزري.
وكذلك قد وُصف بعض الرواة بالاختلاط، ولكن عند التحقيق نجد أنه لا يصح وصفهم بالاختلاط.
انظر: ترجمة أحمد بن جعفر بن حمدان، وإسماعيل بن عياش، وجرير ابن عبد الحميد، والحارث بن عمير، وخالد بن مهران الحذاء، وعاصم بن بهدلة، وعبد الله بن جعفر بن نجيح المديني، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقيس ابن أبي حازم، ومحمد بن كثير بن أبي عطاء المصيصي، والمثنى بن الصباح.
وقبل الشروع في ذكر الرواة الموصوفين بالاختلاط أذكر أقوال العلماء في معنى الاختلاط وأسبابه وحكم رواية المختلط:
قال ابن حبان: وأما المختلطون في أواخر أعمارهم مثل الجريري، وسعيد بن أبى عروبة، وأشباههما، فإنا نروي عنهم في كتابنا هذا ونحتج بما رووا، إلا أنا لا نعتمد من حديثهم إلا ما روى عنهم الثقات من القدماء الذين نعلم أنهم سمعوا منهم قبل الاختلاط، وما وافقوا الثقات في الروايات التى لا نشك في صحتها وثبوتها من جهة أخرى، لأن حكمهم -وإن اختلطوا في أواخر أعمارهم وحمل عنهم في اختلاطهم بعد تقدم عدالهم- حكم الثقة إذا أخطأ
1 / 6
أن الواجب ترك خطه إذا علم، والاحتجاج بما نعلم أنه لم يخطئ فيه، وكذلك حكم هؤلاء الاحتجاج بهم فيما وافقوا الثقات، وما انفردوا مما روى عنهم القدماء من الثقات الذين كان سماعهم منهم قبل الاختلاط سواء (^١).
وقال ابن الصلاح: النوع الثاني والستون: معرفة من خلط في آخر عمره من الثقات: هذا فن عزيز مهم لم أعلم أحدًا أفرده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقًا بذلك جدًا، وهم منقسمون:
فمنهم من خلط لاختلاطه وخرفه، ومنهم من خلط لذهاب بصره أو لغير ذلك، والحكم فيها أنهم يقبل حديث من أخذ عنهم قبل الاختلاط، ولا يقبل حديث من أخذ عنهم بعد الاختلاط، أو أُشكل أمره فلم يدر هل أخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده (^٢).
وقال العلائي: أما الرواه الذين حصل لهم الإختلاط في آخر عمرهم، فهم على ثلاثة أقسام:
أحدها: من لم يوجب ذلك له ضعفًا أصلًا، ولم يحط من مرتبته، إما لقصر مدة الاختلاط وقلته، كسفيان بن عيينة، وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه، وهما من أئمة الإسلام المتفق عليهم.
وإما لأنه لم يرو شيئًا حال اختلاطه، فسلم حديثه من الوهم، كجرير بن حازم، وعفان بن مسلم ونحوهما.
_________
(^١) مقدمة "صحيح ابن حبان": [ص ١٦١].
(^٢) "مقدمة ابن الصلاح" [ص ٣٥٢].
1 / 7
والثاني: من كان متكلمًا فيه قبل الاختلاط، فلم يحصل من الاختلاط إلا زيادة في ضعفه، كابن لهيعة ومحمد بن جابر السحيمي ونحوهما.
والثالث: من كان محتجًا به، ثم اختلط، أو عُمَّر في آخر عمره، فحصل الاضطراب فيما روى بعد ذلك، فيتوقف الاحتجاج به على التمييز بين ما حدث به قبل الاختلاط عما رواه بعد ذلك (^١).
وقال العراقي: الحكم فيمن اختلط أنه لا يقبل من حديثه ما حدث به في حال الاختلاط، وكذا ما أبهم أمره وأشكل فلم يدر حدث به قبل الاختلاط أو بعده، وما حدث به قبل الاختلاط قُبِل، وإنما يتميز ذلك باعتبار الرواة عنهم فمنهم من سمع منهم قبل الاختلاط فقط، ومنهم من سمع بعده فقط، ومنهم من سمع في الحالين ولم يتميز (^٢).
وقال برهان الدين ابن العجمي: الحكم في حديث من اختلط من الثقات التفصيل، فما حدث به قبل الاختلاط فإنه يُقبل، وإن حدث به فيه أو أُشكل أمره فلم يدر أأخذ عنه قبل الاختلاط أو بعده فإنه لا يقبل (^٣) (^٤).
قال ابن حجر: والحكم فيه أن ما حدث به قبل الاختلاط إذا تميز قبل، وإذا
_________
(^١) كتاب "المختلطين" [ص ٣].
(^٢) "فتح المغيث" [ص ٤٦٦].
(^٣) "نهاية الاغتباط" [ص ٣٤].
(^٤) وكذلك رجح هذا القول النووي في "التقريب" [٢/ ٣٧٢] مع تدريب الراوي، والصنعاني في "توضيح الأفكار" [٣/ ٥٠٣].
1 / 8
لم يتميز توقف فيه، وكذا من اشتبه الأمر فيه (^١).
قال السخاوي: وحقيقته فساد العقل وعدم انتظام الأقوال والأفعال، إما بخرف أو ضرر أو مرض أو عرض من موت ابن وسرقة مال كالمسعودي، أو ذهاب كتب كابن لهيعة، أو احتراقها كابن الملقن.
فما روى المتصف بذلك حال اختلاطه، أو أُبهم الأمر فيه وأُشكل بحيث لم نعلم أروايته صدرت في حال اتصافه به أو قبله سقط حديثه في الصورتين بخلاف ما رواه قبل الاختلاط لثقته، هكذا أطلقوه، ومذهب وكيع حسبما نقله عنه ابن معين كما سيأتي في ترجمة سعيد بن أبى عروبة قريبًا أنه إذا حدث في حال صحته فلم يخالفه أنه يقبل فليحمل إطلاقهم عليه، ويتميز ذلك بالراوي عنه، فإنه تارة يكون سمع منه قبله فقط أو بعده فقط أو فيهما مع التمييز وعدمه. وأفرد للمختلطين كتابًا الحافظ أبو بكر الحازمي حسبما ذكره في تصنيفه "تحفة المستفيد"، ولم يقف عليه ابن الصلاح فإنه قال: ولم أعلم أحدًا أفرده بالتصنيف واعتنى به مع كونه حقيقًا بذلك، والعلائي مرتبًا على حروف المعجم بالاختصار، وذيل عليه شيخنا، وللبرهان الحلبي "الاغتباط بمن رمى بالاختلاط" وأمثلته كثيرة (^٢).
قال الصنعاني: قد يعرض للراوي عارض من العوارض يجعله غير ثقة، وذلك بأن يصيبه الكبر الشديد بأسقامه فيدعه عرضة للاختلاط، أو يذهب
_________
(^١) "نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر" [ص ٩١].
(^٢) "فتح المغيث" [٤/ ٣٧١ - ٣٧٢].
1 / 9
بصره أو تضيع كتبه وهو معتمد على القراءة فيها، ثم يحدث من حفظه بعد ذلك فتضيع الثقة بحديثه (^١).
قلت: الذى يظهر لي أن المختلط يُقبل من حديثه ما حدث به قبل اختلاطه، ويُرد ما حدّث به بعد اختلاطه، أما ما أُبهم أمره فلم يُدر حدث به المختلط قبل اختلاطه أو بعده فلا يُقبل، أو على الأقل يُتوقف فيه.
ويُقبل ما رواه المختلط بعد اختلاطه إذا تابعه عليه أحد الثقات كما قال ابن حبان ﵀.
وها هي بعض الأمثلة التى تبين أسباب الاختلاط وكيف يؤثر الاختلاط على الراوي:
قال ابن حبان: أخبرنى محمد بن صالح الحنبلى، حدثنا عبد الملك بن محمد قال: سمعت الحوضى يقول: دخلت على فلان (^٢) أريد أن أسمع منه وقد اختلط، فسمعته يقول: الأزد عريضة، ذبحوا شاة مريضة، أطعمونى فأبيت، ضربونى فبكيت، فتركته ولم أسمع منه شيئًا.
وقال ابن حجر: قال يزيد بن زريع: أول ما أنكرنا ابن أبي عروبة يوم مات سليمان التيمي، جئنا من جنازته فقال: من أين جئتم؟ قلنا: من جنازة سليمان التيمى، فقال: ومن سليمان التيمي؟
وقال ابن حجر: قال البخاري: كان لسهيل أخ فمات فوجد عليه فنسى كثيرًا من الحديث.
_________
(^١) "توضيح الأفكار" [٢/ ٥٠٢].
(^٢) فلان هو سعيد بن أبي عروبة كما سيأتى في ترجمته.
1 / 10
وقال ابن أبي حاتم: نا أحمد بن سنان الواسطي قال: سمعت الوليد بن أبان الكرابيسي يذكر عن أبى النضر هاشم بن القاسم، قال: إني لأعرف اليوم الذي اختلط فيه المسعودي، كنا عنده وهو يعزي في ابن له إذ جاءه إنسان فقال له: إن غلامك أخذ عشرة آلاف من مالك وهرب، ففزع وقام ودخل إلى منزله ثم خرج إلينا وقد اختلط، رأينا فيه الاختلاط.
نا أحمد بن عثمان بن حكيم الأزدي، قال: قال لى أبو نعيم: لو رأيت رجلًا في قباء سواد وشاسية وفي وسطه خنجر، ولا أعلم إلا قال -مكتوب بين كتفيه ببياض ﴿فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ﴾ كنت تكتب عنه؟ قال: لا، قال: فقد رأيت المسعودي في هذه الحالة.
قال أبو محمد: هذا بعد الاختلاط.
وقال الخطب البغدادي: أخبرنا العتيقي، حدثنا محمد بن العباس، أخبرنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب، قال: سمعت إبراهيم الحربي يقول: قال لي أبو خيثمة: كنت أنا ويحيى عند عفان، فقال لي: كيف تجدك؟ كيف كنت في سفرك؟ برَّ الله حجك. فقلت له: ما كنت حاجًا العام. قال: ما شككت أنك حاج.
ثم قلت له: كيف تجدك يا أبا عثمان؟ قال: بخير، الجارية تقول لى: أنت مصدع وأنا في عافية، فقلت له: إيش أكلت اليوم؟ فقال: أكلت اليوم أكلة رز وليس أحتاج إلى شيء إلى غد، أو بالعشي آكل أخرى وتكفيني لغد أو بعدها آكل أخرى تكفيني لبعد غد.
قال إبراهيم: فلما كان بالعشى جئت إليه فنظرت إليه كما حكى أبو خيثمة.
1 / 11
فقال له إنسان: إن يحيى يقول إنك قد اختلطت، فقال: لعن الله يحيى، أرجو أن يمتعني الله بعقلي حتى أموت.
قال إبراهيم: الخرف يكون ساعة خرفًا وساعة عقلًا.
قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: كنت عند عارم فحدّث عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه أن ماعزًا الأسلمي سأل النبي ﷺ في السفر.
فقلت له: حمزة الأسلمي، فقال: يا بني ماعز لا يشقى به جليسه. يعني أن عارم قال هذا وقد زال عقله.
وقال ابن أبي خيثمة: سمعت محمد بن بكار يقول: قد كان أبو معشر تغير قبل أن يموت تغيرًا شديدًا، حتى إنه كان يخرج منه الريح ولا يشعر به.
وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: أبو بكر بن أبي مريم ضعيف الحديث، طرقته لصوص فأخذوا متاعه فاختلط.
وقال الآجري: سألت أبا داود عن أبي بكر بن أبي مريم الغساني، فقال: سمعت أحمد يقول: ليس بشيء.
قال أبو داود: سرق له حلي فأنكر عقله.
وقد اعتمدت في كتابي هذا على هذه المصادر التالية:
١ - أحوال الرجال للجوزجاني.
٢ - الإرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي.
٣ - بيان الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي.
٤ - تاريخ أبي زرعة الدمشقي.
1 / 12
٥ - التاريخ الأوسط للبخاري.
٦ - تاريخ بغداد للخطيب البغدادي.
٧ - تاريخ الدوري.
٨ - التاريخ الكبير للبخاري.
٩ - التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة.
١٠ - التذييل على كتاب تهذيب التهذيب جمع وترتيب محمد بن طلعت.
١١ - تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان.
١٢ - التمهيد لابن عبد البر.
١٣ - تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني.
١٤ - الثقات لابن حبان.
١٥ - الثقات للعجلي.
١٦ - جامع الترمذي.
١٧ - الجرح والتعديل لابن أبي حاتم.
١٨ - الجعديات لأبي القاسم البغوي.
١٩ - سنن الدارقطني.
٢٠ - سنن أبي داود.
1 / 13
٢١ - السنن الصغرى للنسائي.
٢٢ - السنن الكبرى للبيهقي.
٢٣ - السنن الكبرى للنسائي.
٢٤ - سؤالات الأثرم للإمام أحمد.
٢٥ - سؤالات الآجري لأبي داود.
٢٦ - سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي.
٢٧ - سؤالات البرقاني للدارقطني.
٢٨ - سؤالات ابن الجنيد لابن معين.
٢٩ - سؤالات أبي داود الحديثية للإمام أحمد.
٣٠ - سؤالات أبي داود الفقهية للإمام أحمد.
٣١ - سؤالات السلمي للدارقطني.
٣٢ - سؤالات ابن طهمان لابن معين.
٣٣ - سؤالات أبي عبد الله بن بكير للدارقطني.
٣٤ - سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني.
٣٥ - سؤالات ابن محرز لابن معين.
٣٦ - الضعفاء الصغير للبخاري.
1 / 14
٣٧ - الضعفاء الكبير للعقيلي.
٣٨ - الضغفاء والمتروكين للدارقطني.
٣٩ - الضعفاء والمتروكين للنسائي.
٤٠ - الطبقات الكبرى لابن سعد.
٤١ - علل ابن أبي حاتم.
٤٢ - علل الترمذي الكبير.
٤٣ - علل الدارقطني.
٤٤ - العلل ومعرفة الرجال رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل.
٤٥ - العلل ومعرفة الرجال رواية المروذي وغيره.
٤٦ - فتح المغيث للسخاوي.
٤٧ - الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي.
٤٨ - الكفاية في علوم الرواية للخطيب البغدادي.
٤٩ - الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات لابن الكيال.
٥٠ - لسان الميزان لابن حجر العسقلانى.
٥١ - المجروحين لابن حبان.
٥٢ - المختلطين للعلائي.
1 / 15
٥٣ - مسائل ابن هانئ للإمام أحمد.
٥٤ - مشاهير علماء الأمصار.
٥٥ - المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان.
٥٦ - مقدمة صحيح ابن حبان.
٥٧ - مقدمة ابن الصلاح.
٥٨ - المنتخب من العلل للخلال.
٥٩ - ميزان الاعتدال للذهبي.
٦٠ - النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد ذهبى العصر عبد الرحمن بن يحيى المعلمي لإبراهيم بن سعيد.
٦١ - نهاية الاغتباط بمن رمى بالاختلاط لعلاء الدين علي رضا.
والله أسأل أن يتقبل مني هذا العمل، وأن ينفعني به والمسلمين، إنه بكل جميل كفيل، وهو نعم المولى ونعم النصير.
كتبه
محمد بن طلعت بن محمد
مصر - المحلة الكبرى
1 / 16
حرف الألف
١ - أحمد بن بشير القرشي المخزومي مولى عمرو بن حريث
قال ابن حجر: قال ابن الجارود: أحمد بن بشير القرشي المخزومى تغير، وليس حديثه بشيء (^١).
٢ - أحمد بن جعفر بن حمدان أبو بكر القطيعي
قال الخطيب البغدادي: أحمد بن جعفر بن حمدان أبو بكر القطيعى روى عن عبد الله بن أحمد: [المسند، والزهد، والتاريخ، والمسائل، وغير ذلك]، وكان بعض كتبه غرق فاستحدث نسخها من كتاب لم يكن فيه
_________
(^١) "تهذيب التهذيب". وفيه أيضًا: "قال ابن معين: لم يكن به بأس، وكان يقين. وقال عثمان الدارمي: قلت لابن معين: عطاء بن المبارك تعرفه؟ قال: من يروي عنه؟ قلت: ذاك الشيخ أحمد بن بشير. فتعجب وقال: لا أعرفه. قال عثمان: أحمد كان من أهل الكوفة، ثم قدم بغداد، وهو متروك. وقال الخطيب: ليس أحمد بن بشير مولى عمرو بن حريث هو الذى روى عن عطاء بن المبارك، ذاك بغدادى، وأما مولى عمرو بن حريث فليست حاله الترك، وإنما له أحاديث تفرد بروايتها، وقد كان موصوفًا بالصدق. وقال ابن نمير: كان صدوقًا حسن المعرفة بأيام الناس، حسن الفهم، إنما وضعه عند الناس الشعوبية. وقال أبو زرعة: صدوق. وقال أبو حاتم: محله الصدق. وقال النسائي: ليس بذاك القوي. وقال أبو بكر بن أبي داود: كان ثقة، كثير الحديث، ذهب حديثه فكان لا يحدث. وقال الدارقطني: ضعيف يعتبر بحديثه. وأورد له ابن عدي حديثين منكرين وقال: وله أحاديث آخر قريبة من هذين. وقال العقيلي: ضعيف. ونقل أبو العرب عن النسائي أنه قال: ليس به بأس". اهـ
وقال السلمي: سألت الدارقطني عن أحمد بن بشير الذى يروي عن مسعر فقال: لا بأس به. [سؤالات السلمي للدارقطني ص ٥٦]
1 / 17
سماعه، فغمزه الناس، إلا أنا لم نر أحدًا امتنع عن الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به.
وقد روى عنه من المتقدمين الدارقطني، وابن شاهين، وحدثنا عنه أبو الحسن بن رزقويه، ومحمد بن أبى الفوارس، ومحمد بن أحمد بن البياض، ومحمد بن الفرج البزار، وأبو بكر البرقاني، وعبد الملك بن محمد بن بشران، وأبو نعيم الأصبهانى، وجماعة كثيرة سواهم.
حُدثت عن أبي الحسن بن الفرات قال: كان ابن مالك القطيعي مستورًا، صاحب سُنّة، كثير السماع، سمع من عبد الله بن أحمد وغيره، إلا أنه خلط في آخر عمره، وكف بصره، وخرف حتى كان لا يعرف شيئًا مما يُقرأ عليه.
قال محمد بن أبي الفوارس: أبو بكر بن مالك كان مستورًا صاحب سُنّة، ولم يكن في الحديث بذاك، له في بعض "المسند" أصول فيها نظر، ذكر أنه كتبها بعد الغرق.
سمعت أبا بكر البرقاني وسُئل عن ابن مالك فقال: كان شيخًا صالحًا، وكان لأبيه اتصال ببعض السلاطين، فقرئ لابن ذاك السلطان على عبد الله بن أحمد "المسند"، وحضر ابن مالك سماعه، ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة.
وحدثني البرقاني قال: كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك حتى ثبت عندي أنه صدوق لا يشك في سماعه، وإنما كان فيه بله، فلما غرقت
1 / 18
القطيعة بالماء الأسود غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتاب لم يكن فيه سماعه، ولما اجتمعت مع الحاكم بن عبد الله بن البيع بنيسابور ذكرت ابن مالك ولينه فأنكر على، وقال: ذاك شيخي، وحَسّن حاله، أو كما قال (^١).
قال الذهبي: [صح] (^٢) أحمد بن جعفر بن حمدان أبو بكر القطيعي صدوق في نفسه مقبول تغير قليلًا. قال الخطيب: لم نر أحدًا ترك الاحتجاج به. وقال الحاكم: ثقة مأمون.
وقال أبو عمرو بن الصلاح: اختل في آخر عمره، حتى كان لا يعرف شيئًا مما يُقرأ عليه، ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات.
قلت: فهذا القول غلو وإسراف، وقد كان أبو بكر أسند أهل زمانه.
قال ابن أبي الفوارس: لم يكن في الحديث بذاك، له في بعض "مسند أحمد" أصول فيها نظر.
وقال البرقاني: غرقت قطعة من كتبه فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فإنه ثقة، وكنت شديد التنقير عنه حتى تبين عندي أنه صدوق لا يشك في سماعه (^٣).
_________
(^١) "تاريخ بغداد": [٤/ ٧٣ - ٧٤].
(^٢) قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" [٢/ ٣٦٨] في ترجمة "الحارث بن محمد بن أبي أسامة": وقال الذهبى في "تلخيص المستدرك": ليس بعمدة، مع أنه في "الميزان" كتب مقابله: صح، واصطلاحه أن العمل على توثيقه.
(^٣) "ميزان الاعتدال": [١/ ٨٧ - ٨٨].
1 / 19
قال العراقي: قوله: وأبو بكر بن مالك القطيعي راوي مسند أحمد وغيره اختل في آخر عمره وخرف حتى كان لا يعرف شيئًا مما يقرأ عليه انتهى. وفي ثبوت هذا عن القطيعي نظر، وهذا القول تبع فيه المصنف مقالة حكيت عن أبي الحسن بن الفرات لم يثبت إسنادها إليه، ذكرها الخطيب في "التاريخ" فقال: حدثت عن أبي الحسن بن الفرات قال: كان ابن مالك القطيعى مستورًا صاحب سنة كثير السماع من عبد الله بن أحمد وغيره إلا أنه خلط في آخر عمره وكف بصره وخرف حتى كان لا يعرف شيئًا مما يقرأ عليه انتهى.
وقد أنكر صاحب "الميزان" هذا على ابن الفرات وقال: هذا غلو وإسراف. وقال أبو عبد الرحمن السلمى أنه سأل الدارقطني عنه فقال: ثقة زاهد سمعت أنه مجاب الدعوة. وقال الحاكم: ثقة مأمون. وسُئل عنه البرقاني فقال: كان شيخًا صالحًا غرقت قطعة من كتبه فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم تكن سماعه فغمزوه لأجل ذلك وإلا فهو ثقة. قال البرقاني: وكنت شديد التنقير عن حاله حتى ثبت عندي أنه صدوق لا شك في سماعه، وإنما كان فيه بله فلما غرقت القطيعة بالماء الأسود غرق شيء من كتبه فنسخ بدل ما غرق من كتاب لم يكن فيه سماعه، قال: ولما اجتمعت مع الحاكم أبي عبد الله بن البيع بنيسابور ذكرت ابن مالك ولينته فأنكر علي.
وقال الخطيب: لم أر أحدًا امتنع من الرواية عنه ولا ترك الاحتجاج به.
وقال أبو بكر بن نقطة: كان ثقة. وتوفي القطيعى لسبع بقين من ذي
1 / 20
الحجة سنة ثمان وستين وثلاث مائة. وعلى تقدير ثبوت ما ذكره أبو الحسن بن الفرات من التغير وتبعه المصنف فممن سمع منه في الصحة أبو الحسن الدارقطني وأبو حفص بن شاهين وأبو عبد الله الحاكم وأبو بكر البرقاني وأبو نعيم الأصبهاني وأبو علي بن المذهب راوي المسند عنه فإنه سمعه عليه في سنة ست وستين والله أعلم (^١).
قال ابن حجر: وإنكار الذهبى على ابن الفرات عجيب، فإنه لم ينفرد بذلك، فقد حكى الخطيب في ترجمة أحمد بن أحمد السيبى قال: قدمت بغداد وأبو بكر بن مالك حي، وكان مقصودنا درس الفقه والفرائض، فقال لنا ابن اللبان الفرضي: لا تذهبوا إلى ابن مالك فإنه قد ضعف واختل، ومنعت ابني السماع منه، قال: فلم نذهب إليه. قلت: كان سماع أبي علي بن المذهب منه لمسند الإمام أحمد قبل اختلاطه، أفاده شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحسين، والحكاية التى حكاها ابن الصلاح عن ابن الفرات قد ذكرها الخطيب في "تاريخه" عنه، والعجب من الذهبى يرد قول ابن الفرات، ثم يقول في آخر ترجمة الحسن بن على التميمي الراوي عن القطيعي ما سيأتي، فليتأمل! (^٢)
قال المعلمي اليماني: في "تاريخ بغداد" [١٣/ ٤١١]: أخبرنا بشري بن عبد الله الرومي ثنا أحمد بن جعفر بن حمدان … ".
_________
(^١) "التقييد والإيضاح" [ص ٤٦٥].
(^٢) "لسان الميزان": [١/ ٢٤٢ - ٢٤٣].
1 / 21
قال الأستاذ (ص ١٤١): مختلط فاحش الاختلاط.
أقول: قضية الاختلاط ذكرها الخطيب في "التاريخ" [ج ٤ ص ٧٣]، قال: "حُدثت عن أبي الحسن بن الفرات … ".
وذكرها الذهبي في "الميزان" عن ابن الصلاح قال: "اختل في آخر عمره، حتى كان لا يعرف شيئًا مما يُقرأ عليه، ذكر هذا أبو الحسن بن الفرات". والظاهر أن ابن الصلاح إنما أخذ ذلك مما ذكره الخطيب، ولا ندري من حدث الخطيب، ومع الجهالة به لا تثبت القصة.
لكن ابن حجر شدها بأن الخطيب حكى في ترجمة أحمد بن أحمد السيبى أنه قال: قدمت بغداد وأبو بكر بن مالك حى … فقال لنا ابن الفرضي: لا تذهبوا إلى ابن مالك فإنه قد ضعف واختل، ومنعت ابني السماع منه.
وهذه الحكاية في "التاريخ" [ج ٤ ص ٤]، لكن ليس فيها ما في تلك المنقطعة مما يقتضي فحش الاختلاط، وقد قال الذهبي في "الميزان" بعد ذكر الحكاية الأولى: "فهذا القول غلو وإسراف".
أقول: ويؤيد على أنه غلو وإسراف أن المشاهير من أئمة النقد في ذلك العصر كالدارقطني والحاكم والبرقاني لم يذكروا اختلاطًا ولا تغيرًا.
وقد غمزه بعضهم بشيء آخر. قال الخطيب: "كان بعض كتبه غرق فاستحدث نسخها من كتاب لم يكن فيه سماعه فغمزه الناس، إلا أنا لم نر أحدًا امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به، وقد روى عنه من المتقدمين الدارقطني وابن شاهين …
1 / 22
سمعت أبا بكر البرقاني سُئل عن ابن مالك فقال: كان شيخًا صالحًا .. ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك فنسخها من كتاب ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة.
قال الخطيب: وحدثني البرقاني قال: كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك حتى ثبت عندي أنه صدوق لا يشك في سماعه، وإنما كان فيه بله، فلما غرقت القطيعة (^١) بالماء الأسود غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتاب لم يكن فيه سماعه.
أجاب ابن الجوزي في "المنتظم" [ج ٧ ص ٩٣] عن هذا بقوله: "مثل هذا لا يُطعن به عليه لأنه يجوز أن تكون تلك الكتب قد قرئت عليه وعورض بها أصله، وقد روى عنه الأئمة كالدارقطنى وابن شاهين والبرقانى وأبي نعيم والحاكم".
أقول: وقال الحاكم: ثقة مأمون. ونسخه ما غرق من كتبه من كتاب ليس عليه سماعه يحتمل ما قال ابن الجوزي، ويحتمل أن يكون ذاك الكتاب كان أصل ثقة آخر كان رفيقه في السماع فعرف مطابقته لأصله والمدار على الثقة بصحة النسخة، وقد ثبت أن الرجل في نفسه ثقة مأمون، وتلك الحكاية تحتمل ما بيّنا في ذلك فكان هو الظاهر، ولا أدري متى كان غرق القطيعة بالماء الأسود.
_________
(^١) قال الشيخ محمد بن عبد الرزاق حمزة: هي محال ببغداد أقطعها المنصور أناسًا من الأعيان ليعمروها ويسكنوها، وهي قطيعة إسحاق الأزرق وأم جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور، كما في القاموس، وإليها ينسب المترجم.
1 / 23
وقد فتشت أخبار السنين في "المنتظم" فلم أره ذكر غرقًا بالماء الأسود، وإنما ذكر أنه في شهر رمضان سنة ٣٦٧ غرق بعض المحال منها قطيعة أم جعفر، فإن كان ذلك هو المراد فإنما كان من قبل وفاة القطيعي بنحو سنة واحدة، وقد سمع الناس منه الكتب كلها قبل ذلك مرارًا، وأُخذت منه عدة نسخ، والذين ذكروا الاستنساخ لم يذكروا أنه روى مما استنسخه، ولو علموا ذلك لذكروه لأنه أبين في التليين، وأبلغ في التحذير، وليس من لازم الاستنساخ أن يرويه عما استنسخه، ولا أن يعزم على ذلك، وكأنهم إنما ذكروا ذلك في حياته لاحتمال أن يروي بعد ذلك عما استنسخه.
وقد قال الخطيب في "الكفاية" [ص ١٠٩]: ومذاهب النقاد في الرجال غامضة ودقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره، وإن لم يكن الذى سمعه موجبًا لرد الحديث ولا مسقطًا للعدالة، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي حيًا أن يحمله على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتًا أن ينزله من نقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك الغمز.
ومنهم من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذى لا يُوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل من أخوات ونظائر … ".
فلما ذكروا في حياة القطيعي أنه تغير، وأنه استنسخ من كتاب ليس عليه سماعه كان هذا على وجه الاحتياط، ثم لما لم يذكروا في حياته ولا بعد
1 / 24