تجنبت إتيان الحبيب تأثمًا ... ألا إن هجران الحبيب هو الإثم
فذق هجرها قد كنت تزعم أنه ... رشاد ألا يا ربما كذب الزعم
حدثنا أبو العباس قال: وثنا عمر بن شبة، قال أبو يحيى: وزادني ابن الماجشون:
كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم ... ولامك أقوام ولومهم ظلم
ونم عليك الكاشحون وقبلهم ... عليك الهوى قد نم لو نفع النم
حدثنا أبو سعيد عبد الله بن شبيب، حدثني الزبير بن بكار، حدثنا عبد الجبار بن سعيد، عن محمد بن معن الغفارى عن أبيه عن عجوز لهم يقال لها حمادة بنت أبي مسافر، قالت: جاورت آل ذريح بقطيع لي، فيه الرائمة، وذات البو، والحائل، والمتبع، فكان قيس ينظر من شرف إلى ذلك القطيع، وينظر إلى ما يلقين فيتعجب، فقل ما لبث حتى عزم عليه أبوه بطلاق زوجته لبنى، فكاد يموت، ثم آلى أبوه: لئن أقامت لا يساكن قيسًا، فظعنت، فاندفع قيس يقول:
أيا كبدًا طارت صدوعًا نوافذًا ... ويا حسرتا ماذا تغلغل في القلب
فأقسم ما عمش العيون شوارف ... روائم بو حانيات على سقب
تشممنه لو يستطعن ارتشفنه ... إذا سفنه يزددن نكبًا على نكب
رئمن فما ينحاش منهن شارف ... وحالفن حبسًا في المحول وفي الجدب
بأوجد منى يوم ولت حمولها ... وقد طلعت أولى الركاب من النقب
وكل ملمات الدهور وجدتها ... سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
إذا افتلتت منك النوى ذا مودة ... حبيبًا، بتصداع من البين ذى شعب
أذاقتك مر العيش أو مت حسرة ... كمامات مسقى الضياح على ألب
لا أستظل أو تطلق لبنى. فقال: أما إنه آخر عهدك بي. ولما طلقها اشتد عليه وجهد وضمن، فلما طلقها أتاها رجالها ليحملوها، فسأل: متى هم خارجون؟ فقالوا: غدا. فقال:
فإني لمفن دمع عينى بالبكا ... حذار الذي لما يكن وهو كائن
وقالوا غدًا أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن
فما كنت أخشى أن تكون منيتى ... بكفى إلا أن ما حان حائن
وندم على طلاقها ندمًا شديدًا، وجعل يأتي منزلها ويبكى فيه، فلامه أبوه وأهل بيته فقال:
أمس تراب أرضك يا لبينى ... ولولا أنت لم أمسس ترابا
وقال في ذلك أيضًا في إتيان منزلها:
كيف السلو ولا أزال أرى لها ... ربعًا كحاشية اليماني المخلق
ربعًا لواضحة الجبين غريرة ... كالشمس إذا طلعت رخيم المنطق
قد كنت أعهدها به في عزة ... والعيش صاف والعدى لم تنطق
حتى إذا نطقوا وآذن فيهم ... داعى الشتات برحلة وتفرق
خلت الديار فزرتها وكأنني ... ذو حية من سمها لم يعرق
وأنشدني هذا ابن أبي جهمة، وأنشدني زيد بن إبراهيم وعرفها ابن أبي جهمة وداود:
عفا سرف عن أهله فسراوع ... فوادى قديد فالتلاع الدوافع
فغيقة فالأخياف أخياف ظبية ... بها من لبينى مخرف ومرابع
لعل لبينى اليوم حم لقاؤها ... ببعض البلاد، إن ما حم واقع
بجزع من الوادي قليل أنيسه ... خلاء تخطته العيون الخوادع
تبكى على لبنى وأنت تركتها ... فكنت كآت غيه وهو طائع
فيا قلب صبرًا واعترافًا لما ترى ... ويا حبها قع بالذي أنت واقع
لعمري لمن أمسى وأنت ضجيعه ... من الناس ما اختيرت عليه المضاجع
أتصبر للبين المشت مع الجوى ... أم أنت امرؤ ناسى الحياء فجازع
وللحب آيات تبين في الفتى ... شحوب وتعرى من يديه الأشاجع
وصاح غراب البين وانشقت العصا ... ببين كما شق الأديم الصوانع
فلما بدا منها الفراق كما بدا ... بظهر الصفا الصلد الشقوق الصوادع
كأنك بدع لم تر الناس قبلها ... ولم يطلعك الدهر فيمن يطالع
1 / 51