ذكر الفتى عمره الثاني، وحاجته ... ما قاته، وفضول العيش أشغال لكني أقول: في هذا البيت نظر وإن كان في الظاهر بديعا بليغا ولهذا استحسنوه، ووجه النظر في قوله ((ذكر الفتى عمره الثاني)) لأن ذكر الإنسان إما يكون بخير، أو بضده، أو بهما، كأن يذكر بمدح خصلة فيه حسنة، وبذم بأخرى فيه قبيحة، فإذا قيل: فلان له ذكر، أو قيل: ذكر فلان، كان فيه إبهام، فالذكر يطلق ويراد به معان، منها: الحفظ، والشرف، والصوت، وجري الشيء على اللسان، فقول المتنبي في البيت ((ذكر الفتى عمره الثاني)) يحتمل حفظه وشرفه وصوته وما جرى على لسانه وغير ذلك من وجوه معاني الذكر، ففيه إبهام، فلو قال: صيت الفتى عمره الثاني: لكان أبين، وفي البلاغة أقوى وأمتن، يقال: رجل له صيت: إذا كان عالي الذكر، يقال: ذهب صيته في الناس.
3- ومن الإشارات المفهومات من هذه الآيات: الحث على سماع تلاوة القرآن، لأن سماع تلاوته أحد وجوه الامتنان، لقوله تعالى: {لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته}.
وإذا كان هذا من منة الله على المؤمن فيجب عليه شكرها، ومن وجوه شكرها: تعاهدها ورعايتها، فظهر بهذا أن في الآية الحث على سماع تلاوة القرآن.
4- نعم، وفي سماع تلاوة الآيات: الإشارة إلى الحث على الجلوس إلى العلماء سماعا، والاجتماع بهم استفادة وانتفاعا، لأنه لا يكون سماع التلاوة وتعلم الكتاب والحكمة إلا بالجلوس إلى العلماء، والاستماع منهم، والانتفاع بهم، والأخذ عنهم، ومجالسهم هي المجالس التي يصيب أصحابها نفحاتها، وتعود على أهلها بركاتها، وقد جاء الكتاب والسنة بالحث على ذلك، ومنه قول الله عز وجل: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}.
صفحه ۴۲۹