{وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك} [محمد: 13]، فقال النبي صلى الله عليه: ((اللهم، إن قريشا أخرجتني من أحب البلاد إلي فسكني أحب البلاد)). فأسكنه الله عز وجل المدينة، فبأهل المدينة أخذ قريشا وأقام الدين، كما قال تعالى : {والذين ءاووا ونصروا أولئك هم المؤمنون حقا} [الأنفال: 74]، أبطلتم أنتم جميع المهاجرين والأنصار الذين مدحهم الله في كتابه على لسان نبيه، فزعمتم أن هؤلاء العشرة الذين رضي الله عنهم ورسوله، وإنما هذه حيلة من قريش أجازوها عليكم فجازت، ودليل ذلك أنهم لم يدخلوا في هؤلاء العشرة رجلا من الأنصار بل جميعهم من قبائل قريش، ثم زادوا فموهوا عليكم بقولهم: إن النبي صلى الله عليه، قال: ((الأئمة من قريش، والناس تبع قريش مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم)). وإنما قال عليه السلام: ((عليكم بأهل بيتي، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ردى)). مع كلام كثير يحض أمته على طاعة أهل بيته، فأدبرتم أنتم عن أهل بيته وعبتم على الشيعة حيث اتبعوا الرسول في جميع أمره، عملا بقوله تعالى: {ما أتاكم الرسول فخذوه/38/ وما نهاكم عنه فانتهوا } [الحشر: 7]، فقلتم أنتم تكذيب الرسول؛ لأنه واحدا أهون عليكم من تكفير من أدبر عن وصي النبي صلى الله عليه، ثم رووا لكم أحاديث ألقوها من عند أنفسهم، ثم نسبوها إلى الرسول في هؤلاء العشرة، فقالوا: إن النبي صلى الله عليه، قال: ((ما نفعني إلا مال أبي بكر، وأن الله أعز الأسلام بعمر، وأن طلحة والزبير حواريا رسول الله صلى الله عليه، وأن معاوية كاتب الوحي))، وسميتم أبا بكر: الصديق، وعمر: الفاروق، وعثمان: ذا النورين، فجعلتم الأسماء التي سمى الله بها رسوله صلى الله عليه ووصيه عليه السلام، لغيرهم وحولتموها إلى قوم آخرين. وقد بين الله سبحانه في رسوله ووصي رسوله والمصدقين إلى آخر أيام الدنيا: {والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون} [الزمر: 33]؛ لأن رسول الله صلى الله عليه صدق جبريل وما جاء به من عند خالقه، وكذلك الوصي، إنما هؤلاء الثلاثه هم أمناء الله على وحيه: جبريل، ومحمد، وعلي. أقاموا ثلاثا وعشرين سنة حتى بلغوا رسالة ربهم إلى خلقه، فكان جبريل عليه السلام، يلقن محمدا صلى الله عليه آيات القرآن، ويملي محمد عليا ما يلقنه جبريل، فيكتب علي بخطه حتى يلقنه القرآن كله بخطه بإملاء الرسول، فعلي عليه السلام صدق محمدا قبل/39/ التكذيب، والباقون الذين صدقوه صدقوا صلى الله عليه بعد التكذيب، كما قال الله: {فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه} [الزمر: 32]، لأنهم عبدوا الأصنام ثم ادعوا أنهم يعبدونها تقربا إلى الله، وكذبوا بالصدق عند ما جائهم ثم صدقوه بعدما أدبروا عن الله وعن رسوله صلى الله عليه، فقبلهم الله وتاب عليهم، غير أنه لا يستوي كما قال بعض الحكماء:
صفحه ۴۸