مائدة افلاطون: کلام در عشق
مائدة أفلاطون: كلام في الحب
ژانرها
وقال زينو بأن كل فترة من التاريخ هي عبارة عن صورة طبق الأصل من الفترة السابقة، وهذا المبدأ فيثاغوري في أصله، وهو رأي يقصي الاختيار عن أعمال البشر، ويؤيد أننا مسيرون، وأننا كائنات ضعيفة في أيدي القضاء والقدر، وهذا هو الرأي الذي انتحله فردريك نيتشه، وبنى عليه فلسفته، ولم يذكر منشأه، ولكننا لا نسمي هذا سرقة أدبية، ولكننا نفسره بتوارد الخواطر؛ لأنه شتان بين هذا الرأي في بساطته وبين البناء الشامخ الذي شاده نيتشه، وليس هنا مجال الكلام في هذا البحث الجليل اللذيذ.
وقال الرواقيون بأن الله مادة تملأ الكون والعالم، وأن خلقة العالم ثمرة مهارة فائقة، وقدرة لا حد لها، كان الكمال والخير رائديهما، وأن العالم إنما خلق لخير الإنسان، بل هذا هو المبدأ القائل بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان؛ المعروف بتليولوجيا، وقال به سقراط وأفلاطون وأرسطو، ويمكن تسميته بحسب الاصطلاحات الحديثة الاستبشار أو «أوبتمزم»، وأفضل من يمثل هذا المبدأ في المحدثين ليبنتز أحد تلاميذ ديكارت (راجع فلسفة ديكارت، تأليف بوليه، جزآن طبع ليون)، وألطف من هزأ هذا المبدأ، وسخر منه فولتير في قصته البديعة «كانديد»، فليقرأها من يشاء.
وقد استعان الرواقيون بكلمة قالها هيراقليط وهي «لوغوس»، ومعناها اللفظي كلمة، والمعنوي العقل المنتشر في الكون، وأطلقوها على معنى الخالق، فقالوا: إن الكلمة هي الخالق، وإن الخالق هو العقل الذي يوجد الأشياء، والمادة التي تخلق منها الأشياء، وقد نسب بعض المفكرين بعض مبادئ الدين المسيحي الجليل إلى هذه المدرسة الفكرية، وعينوا ألفاظا بالذات قالها بولس الرسول، وادعوا أنه اقتبسها من الشاعر أراتوس تلميذ زينون، وجار بولس الرسول في وطنه وهو طرسوس، وكانت مقرا لمدرسة رواقية (أعمال الرسل). وقد تأثر الرواقيون بآراء أفلاطون، فقبلوا القول ببقاء النفس بعد الموت، ولكن حياتها إذ ذاك لا تطول عن حياة العالم التابعة له، ثم تعود كغيرها من الكائنات فتمتزج بالمادة الإلهية لتخلق من جديد، وإن كل فترة من حياة العالم تكرر بحالتها؛ لأن الكمال لا يحتاج إلى تعديل، وهكذا تستمر الفترات تترى إلى أبد الآبدين.
وكان استبشار الرواقيين (أوبتمزم) في اعتقادهم أن العالم مخلوق بفكرة الخير ، ويقولون إن اللذة ليست خيرا، كما أن الألم ليس شرا. وقد أخطأ هربرت سبنسر إذ قال إن الاستبشار معناه الاعتقاد برجوح كفة اللذة على كفة الألم في العالم، فكأنه يوحد بين اللذة والخير، وبين الشر والألم، وهي مختلفة. ويقول الرواقيون إن الفضيلة هي الخير الوحيد، وكانوا يحاربون الرذيلة، ويعتقدون أن ما في العالم من خير أو ضده صادر عن إرادة الخالق وفعله.
وكان أفلاطون أحذق منهم؛ لأنه نسب الشر للمادة، وبذلك فر من نسبة صدوره إلى الخالق، كذلك أرسطو لم تعرف له هذه المشكلة؛ لأنه لم يقل بخالق، وكانوا ينكرون المعجزات، ويعتقدون بأن الحوادث متعاقبة متسلسلة غير منقطعة، ومتصلة بأول الدنيا، وأن الحرية الإلهية ليست مطلقة، وأنها مقيدة بمنطق الوجود الذي عين الأشياء وحددها، كبيرها وصغيرها، في سائر دوائر الخليقة؛ ولأجل هذا فإن التعبد والصلاة لا يغيران مجرى الحوادث، ولا يقلبان نظام الطبيعة لمصلحة المصلي، وأن الأقدار سائرة بقوة اندفاع اكتسبتها منذ الأزل، وتستمر عليها إلى آخر الدهر، وأن الله عز وجل لا يريد أن يتداخل بنفسه لينقذ رجلا عادلا مما كتب له في صحيفة القضاء.
فاعترض الناس على هذا القول، وقالوا كيف يرضى الله سبحانه وتعالى في هذا العالم الذي تقولون عنه إنه أفضل العوالم، وأعمها خيرا، أن يهلك الفاضل العادل، ويسعد الشرير؟! فقالوا: إنما قلنا إن هذا العالم أفضل العوالم إمكانا، وإن هناك ضرورات منطقية لا تدركها عقولنا تقتضي أن يظهر الشر بجانب الخير، وربما كان حدوث الخير متوقفا على وقوع الشر! وإن قانون التناسب الخلقي يقضي باجتماع الأضداد لتتميز الأشياء؛ فلا يعرف الخير إلا إذا عرف الشر، كما أنه لا يعرف النور بغير الظلام، ولا الحر بغير البرد، وإنه إن لم يكن في العالم باطل فلا محل للحق!
ولما كان الرواقيون قدريين فقد حدث أن رقيقا لزينون سرق، فلما مثل بين يديه قال له: العفو يا مولاي، فإنني سرقت؛ لأنه مقضي علي منذ الأزل أن أسرق، ولا أستطيع رد القضاء. فأجابه زينون: وأنا أيضا مقضي علي أن أجلدك عقابا لك، ولا أستطيع رد القضاء! وهذه الحادثة البسيطة تجعل حق العقاب على الذنوب مرتبطا بالمنفعة العامة، وهذا هو الرأي الذي قال به بعد ذلك بنتام بعشرين قرنا وأكثر (راجع ترجمة كتابه لفتحي زغلول).
ولكن الذي جعل تعليل زينون في جلد عبده مقبولا هو أن العقاب على الذنوب قاصر على الحياة الأرضية؛ لأنهم لا يعتقدون في نعيم، ولا جحيم، ولا خلود، ولا بعث، ولا حياة بعد الموت، والذي يحير العقول في مذهبهم أنهم لم يعرفوا الفضيلة، واكتفوا بالأمر باتباع الطبيعة.
لما توفي زينون خلفه كليانت 300-220 في زعامة الفرقة الفلسفية الرواقية، وهو إغريقي من ترود، وقد حل أثينا معدما فاستعان على مطالب الحياة بتوزيع المياه على النواطير المجاورة، وكان في أوقات فراغه يدرس الفلسفة، وإن صحت هذه الرواية أو كذبت فإنها تدل على أن العامل في بلاد الإغريق كان لا يعدم حب الفلسفة، ولا الفراغ للدرس. وقد روى المؤرخون أن فيلسوفنا الشهير أبا نصر الفارابي كان بستانيا، وكان كليانت السقاء حكيما، وشاعرا أيضا، وقد نظم نشيدا لتمجيد الإله زفس؛ معبودهم في ذلك الحين، جاء فيه:
أيها القوي! تعددت أسماؤك وعظم مجدك بين الخالدين، يا جوف، يا مصدر الطبيعة الأول، يا من ترشد الأشياء بالقانون، إن عبادتك فعل مقدس، نحن الناطقين أبناءك على الأرض قد فضلتنا على جميع المخلوقات. إن الكون المحيط بالعالم الأرضي يطيع إشارتك؛ لأن سيفك حاد وقوي ولا يغلب، إنك مالك الدنيا ومدبرها، وأنت الكلمة، وصاحب العقل المدبر (لوغوس)، لا قادر إلا أنت، ولا خالق إلا أنت. أنت الحكيم تقوم المعوج، وتنظم الفوضى، وتجمل الدميم، إن الذين لا ينظرون إليك، ولا يسمعون أمرك لا ينالون شيئا من هناء الدنيا وخيرها. إن الناس قد ضلت؛ فعبدت المال والحب والطمع، فأنقذهم يا جوف العظيم من وهدة الجهل، إنك بذلك جدير، وعليه قدير!
صفحه نامشخص