ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
بهن فلول من قراع الكتائب
إذا استنزلوا عنهن للطعن أرقلوا
إلى الموت إرقال الجمال المصاعب
حبوت بها غسان إذ كنت لاحقا
بقوم وإذ أعيت علي مذاهبي
وأول من عظم أمره منهم الحارث بن جبلة الملقب بالأعرج، والمعروف بابن أبي شمر (529-569) وهو الحارث بن جبلة بن الحارث بن ثعلبة بن عمرو بن جفنة، وجفنة الجد الذي تنسب إليه الأسرة.
ويعرف من أخبار الحارث هذا أن جستنيان قيصر الروم ملكه سنة 529م؛ ليحارب المنذر بن ماء السماء ملك الحيرة، وجعله رئيس كل القبائل التي بالشام، ولقبه بأعظم الألقاب في الدولة الرومية بعد لقب الملك، وكان بينه وبين المنذر عدة وقائع، وأسر المنذر أحد أبناء الحارث وقربه إلى العزى سنة 544م، ثم انتصر الحارث على المنذر في قنسرين وقتل المنذر في الموقعة، وهو اليوم الذي يعرف في الروايات العربية باسم يوم حليمة. وذهب الحارث إلى القسطنطينية سنة 563م ليتفق مع الروم على من يخلفه في الإمارة، فراع أهل المدينة منظره، حتى إن الإمبراطور جستينوس حينما كبر وخرف كان يخوف بالحارث. ومات الحارث حوالي سنة 570م، فخلفه ابنه المنذر بن الحارث.
فسار سيرة أبيه في معونة الروم ومحاربة أمراء الحيرة، وقد هزم أمير الحيرة قابوس بن المنذر سنة 570 في موقعة يحتمل أنها المعروفة باسم يوم عين أباغ، ثم لم يمده الروم بالمال، وكانت بينه وبين الروم ريبة، فعصى ثلاث سنين، ثم احتاج الروم إلى مصالحته حينما أغار الفرس والعرب على سورية، فأرسل قيصر رسولا، فحالفه على قبر سرجيوس بالرصافة، ثم دعاه الإمبراطور جستنيان بعد سنين إلى القسطنطينية، ونفاه إلى صقلية.
وبعد موت جستنيان سار المنذر هو واثنان من أبنائه إلى القسطنطينية، فاحتفى به الإمبراطور، وأعطاه الإكليل بدل التاج، ثم رجع فأغار على الحيرة وحرقها، ولكن الروم ارتابوا في أمره كما ارتابوا في أبيه من قبل، فلما بنيت كنيسة في حوارين، بين دمشق وتدمر، دعي المنذر ليشهد الاحتفال، ثم أخذ غدرا إلى القسطنطينية سنة 586م، وقطعت الوظائف التي كانت تعطى للغساسنة، فثار بنو المنذر الأربعة يقودهم النعمان أكبرهم، وأغاروا على أرض الدولة الرومية، ونهبوا وخربوا، فكانت حروب أسر فيها النعمان، وأرسل إلى القسطنطينية كذلك، فعمت الفوضى بادية الشام، واتخذت القبائل رؤساء من أنفسها، وانحاز بعضها إلى الفرس.
صفحه نامشخص