* بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ، ورقاه في مراتب البلاغة إلى مقام لو اجتمعت الجن والإنس على معارضته لم يقدروا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. فسبحان من أوضح لنا به معالم الدين ، وأبان بمشارق أنواره مناهج الأدلة للمجتهدين. أحمده سبحانه وتعالى وأشكره ، وأستعينه وأستغفره. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الملك الحق المبين. وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين ، بملة حنيفية ، وشرعة قويمة علية ، وعلى آله وأصحابه الذين عرفوا مقاصد التنزيل فحصلوه ، وأسسوا قواعده وفصلوه ، وجالت أفكارهم في آياته ، واعملوا الجد في تحقيق مبادئه وغاياته ، وعلى من اقتفى أثرهم ، ممن لا يزالون ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم.
أما بعد ، فإن أكرم ما تمتد إليه أعناق الهمم ، وأعظم ما تتنافس فيه الأمم ، العلم الذي هو حياة القلب ، وصحة اللب ؛ وأجل أصنافه وأرفعها ، وأكمل معالمه وأنفعها ، هي العلوم الشرعية ، والمعارف الدينية. إذ بها انتظام صلاح العباد ، واغتنام الفلاح في المعاد. وعلم التفسير ، من بينها ، أعلاها شأنا ، وأقواها برهانا ، وأوثقها بنيانا ، وأوضحها تبيانا. فإنه مأخذها وأساسها ، وإليه يستند اقتناصها واقتباسها ، بل هو ، كما وصف به ، رئيسها ورأسها. كيف لا وموضوعه ، وهو الكتاب المجيد ، كلية الشريعة ، وعمدة الملة ، وينبوع الحكمة ، وآية الرسالة ، ونور الأبصار والبصائر. وإنه لا طريق إلى الله سواه ، ولا نجاة بغيره ، ولا تمسك بشيء يخالفه. فلا جرم ، لزم من رام الاطلاع على كليات الشريعة الغراء ، وطمع في إدراك مقاصدها واللحاق بأهلها النجباء ، أن يتخذه سميره وأنيسه ، ويجعله على المدى ، نظرا وعملا ، جليسه. فيوشك أن يفوز بالبغية ، ويظفر بالطلبة ، ويجد نفسه من السابقين ، وفي الرعيل الأول
صفحه ۳