بسم الله الرحمن الرحيم وبه أكتفي
الحمد لله الذي فضل العرب؛ ببعثة نبيهم سيد البشر نبيا، وفضل أحسن الكتب بلغتهم قرآنا عربيا، وجعل لسان أهل الجنة بالعربية، فكان لسان صدق عليا.
وأشهد أن لا إله إلا الله، الذي لم يتخذ ولدا، ولم يجعل له من الذل وليا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، بعثه بالذكر الحكيم نبيا أميا، ونعته بالخلق العظيم، فأعظم به خلقا رضيا، صلى الله عليه، وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى لمن سلك صراطا سويا، ورجوم العدى ممن ترك أمر ربه وراءه ظهريا.
صفحه ۶۵
وبعد: فقد أوجب الله على الخلق حب العرب ونصحهم، وحرم عليهم بغضهم وغشهم، فجعل حبهم حب الرسول، وإيمانا موجبا لحصول السول، وجعل بغضهم نفاقا، ومفارقة للدين، وغشهم مانعا من نيل الشفاعة يوم الدين؛ فرأيت أن أرشد من خفيت عليه هذه الأمور، ببيان ما ورد في ذلك من الحديث الصحيح، والحسن، والغريب، والمشهور، ورتبته على عشرين بابا:
الباب الأول: في أن الله تعالى تخير العرب من خلقه.
الباب الثاني: فيما ورد: من أبو العرب؟
الباب الثالث: في بيان أن حب العرب حب للنبي صلى الله عليه وسلم .
الباب الرابع: في قوله: أحبوا العرب لثلاث.
الباب الخامس: في أن بقاء العرب نور الإسلام.
الباب السادس: في أن ذلهم ذل الإسلام.
الباب السابع: في أن بغض العرب مفارقة للدين.
الباب الثامن: في أن حبهم إيمان وبغضهم نفاق.
الباب التاسع: في وصيته صلى الله عليه وسلم بالعرب.
الباب العاشر: في أن من غش العرب لم تنله شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم .
صفحه ۶۶
الباب الحادي عشر: في أن هلاك العرب من أشراط الساعة.
الباب الثاني عشر: في قلة العرب عند خروج الدجال.
الباب الثالث عشر: في دعائه صلى الله عليه وسلم للعرب.
الباب الرابع عشر: في دعائه لقبائل العرب.
الباب الخامس عشر: في فضل قبائل العرب.
الباب السادس عشر: في قوله: ((أنا سابق العرب)).
الباب السابع عشر: فيما ورد أنه لم ينزل وحي على نبي إلا بالعربية.
الباب الثامن عشر: في أن كلام أهل الجنة بالعربية.
الباب التاسع عشر: في أن كلام من يحسن العربية بالفارسية نفاق.
الباب العشرون: فيما ورد أن ذلك نقص في المروءة.
وسميته: ((محجة القرب إلى محبة العرب)).
والله أسأل أن ينفع به جامعه، وكاتبه، وسامعه، إنه بالإجابة كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
صفحه ۶۷
الباب الأول في أن الله تعالى تخير العرب من خلقه
1- أخبرنا قاضي القضاة علي بن عبد الكافي السبكي مشافهة بدمشق، قال: أخبرني يحيى بن إسحاق بن يحيى الحنفي بقراءتي عليه بدمشق، قال: أخبرنا محمود بن إسماعيل الصيرفي، قال: أخبرنا أحمد بن الحصين بن فاذشاه، قال: أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني، قال:
أخبرنا أحمد بن المقدام العجلي، حدثنا حماد بن واقد الصفار، قال: حدثنا محمد بن ذكوان، عن عمرو بن دينار، عن عبد الله بن عمر قال: إنا لقعود بفناء رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ مرت امرأة، فقال رجل: إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن.
صفحه ۶۹
فانطلقت المرأة فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يعرف في وجهه الغضب، ثم قام على القوم، فقال: ((ما بال أقوال تبلغني عن أقوام، إن الله عز وجل خلق السموات سبعا)).
فذكر الحديث إلى أن قال: ((وخلق الخلق، فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم فأنا خيار إلى خيار، فمن أحب العرب، فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب، فببغضي أبغضهم)).
صفحه ۷۰
ومحمد بن ذكوان هذا: هو: الطاحي البصري، روى عنه شعبة فقال: حدثنا محمد بن ذكوان وكان كخير الرجال. وذكره ابن حبان في الثقات، وتكلم فيه الجمهور.
وأما حماد بن واقد، فقال فيه أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه على الاعتبار وهو بابه عثمان بن مطر، ويوسف بن عطية، وتكلم فيه أيضا الجمهور.
صفحه ۷۲
وإذا كان يعتبر بحديثه، كما قال أبو حاتم، فإنه لم ينفرد بالحديث، بل تابعه عليه: يزيد بن عوانة الكلبي، أخرجه الحاكم في المستدرك.
2- فقال: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني، حدثنا عبد الله بن بكر السهمي، حدثنا يزيد بن عوانة عن محمد بن ذكوان، خال ولد حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
قلت: ولم ينفرد به محمد بن ذكوان أيضا، بل قد رواه عن عمرو بن دينار: عمارة بن مهران المعولي أحد الثقات، إلا أنه زاد في إسناده: سالم بن عبد الله.
صفحه ۷۳
3- رواه الحاكم أيضا في المستدرك قال: أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد المهرجاني، حدثنا عبد العزيز بن معاوية، حدثنا أبو سفيان زياد [بن سهل الحارثي، ثنا عمارة بن مهران المعولي، ثنا عمرو بن دينار] عن سالم بن عبد الله عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لما خلق الله الخلق اختار العرب، ثم اختار من العرب قريشا، ثم اختار من قريش بني هاشم، ثم اختارني من بني هاشم، فأنا خيرة من خيرة)).
قال الحاكم: قد صحت الرواية عن عمرو بن دينار، فإن كان عن سالم، فهو غريب صحيح، وإن كان عن ابن عمر، فقد سمع عمرو بن دينار من ابن عمر. انتهى.
والحسن بن محمد المهرجاني شيخ الحاكم: أحد الثقات، وعبد العزيز بن معاوية القرشي: لا بأس به، قاله الدارقطني.
وعمارة بن مهران المعولي: أحد عباد البصرة، وثقه ابن معين، وأبو حاتم، وابن حبان، وغيرهم.
صفحه ۷۴
وزياد بن سهل الحارثي: لم أر أحدا تكلم فيه.
وهذه الطريق الثانية أجود طريقي الحديث، ولذلك صححها الحاكم.
4- وقد روي نحوه من حديث أبي هريرة: رواه الطبراني في الأوسط، قال: حدثنا علي بن سهل الرازي، حدثنا بشر بن معاذ العقدي، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن رداد، حدثني أبي عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله حين خلق الخلق بعث جبريل فقسم الناس قسمين، فقسم العرب قسما، وقسم العجم قسما، وكانت خيرة الله في العرب، ثم قسم العرب قسمين، فقسم اليمن قسما، وقسم مضر قسما، وقريشا قسما، وكانت خيرة الله في قريش، ثم أخرجني من خير من أنا منه)).
قال الطبراني: لا يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، تفرد به بشر.
صفحه ۷۵
قلت: إسناده حسن، فإن علي بن سهل أحد الحفاظ، وبشر بن معاذ، ومحمد بن عبد الرحمن بن رداد وجده رداد ذكرهم ابن حبان في الثقات، ولم أجد في عبد الرحمن جرحا ولا تعديلا، وقد لين أبو زرعة وأبو حاتم: محمد بن عبد الرحمن.
ويشهد لصحته -حديث ابن عمر وأبي هريرة- حديث واثلة بن الأسقع في صحيح مسلم.
5- أخبرني به أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الأنصاري بقراءتي عليه بمنزله بدمشق، في الرحلة الأولى قال: أخبرنا المسلم بن محمد القيسي، قال: أخبرنا حنبل بن عبد الله، قال: أخبرنا هبة الله بن محمد، قال: أخبرنا الحسن بن محمد التميمي، قال: أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال:
صفحه ۷۶
حدثنا أبو المغيرة، قال: حدثنا الأوزاعي قال: حدثنا أبو عمار شداد عن واثلة بن الأسقع، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الله اصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)).
هذا حديث صحيح، أخرجه مسلم في صحيحه، عن محمد بن سهم، ومحمد بن مهران، كلاهما عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي.
6- وبه إلى أحمد بن حنبل قال: حدثنا محمد بن مصعب قال: حدثنا الأوزاعي عن شداد أبي عمار، عن واثلة بن الأسقع: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم)).
صفحه ۷۷
أخرجه الترمذي في جامعه، هكذا مع هذه الزيادة في أوله، عن خلاد بن مسلم الصفار، عن محمد بن مصعب، وقال: حديث حسن صحيح غريب.
صفحه ۷۸
الباب الثاني فيما ورد: من أبو العرب؟
7- أخبرنا أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز الأيوبي قال: أخبرنا عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني، قال: أخبرنا أسعد بن سعيد بن روح، وعفيفة بنت أحمد الفارفانية، إجازة منها واللفظ لهما قالا: أخبرتنا فاطمة بنت أحمد الجوزدانية) قالت: أخبرنا محمد بن عبد الله بن ريذة قال: أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الحافظ قال:
صفحه ۷۹
أخبرنا علي بن عبد العزيز قال: حدثنا محمد بن عبد الله الرقاشي: قال: حدثنا يزيد بن زريع قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سام أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الروم)).
8- وأخبرني به متصلا أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد الدمشقي، بقراءتي عليه بالقاهرة، قال: أخبرتنا زينب بنت مكي.
ح وأخبرني به محمد بن إبراهيم بقراءتي عليه بدمشق قال: أخبرنا المسلم بن محمد القيسي قالا: أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن جعفر القطيعي قال: حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي قال:
حدثنا عبد الوهاب عن سعيد، عن قتادة، فذكره.
صفحه ۸۰
هذا حديث حسن، أخرجه الترمذي عن بشر بن معاذ العقدي عن يزيد بن زريع، عن سعيد بن أبي عروبة.
9- وقد وقع لنا من حديث أبي هريرة، مخالفا لحديث سمرة في بعض ألفاظه، رويناه في مسند أبي بكر البزار، قال:
حدثنا إبراهيم بن هانئ، وأحمد بن الحسين بن عباد أبو العباس، قالا: حدثنا محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي، قال: حدثني أبي عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((ولد نوح: سام وحام ويافث، فولد سام: العرب وفارس والروم، والخير فيهم، وولد ليافث: يأجوج ومأجوج والترك والصقالبة، ولا خير فيهم، وولد لحام: القبط والبربر والسودان)).
صفحه ۸۱
قال البزار: لا نعلم أسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أبو هريرة بهذا الإسناد، تفرد به يزيد بن سنان، وتفرد به ابنه عنه. ورواه غيره مرسلا وإنما جعله من قول سعيد.
قلت: وقد ورد من غير طريق يزيد بن سنان، رواه ابن عدي في ((الكامل)) من رواية سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، وسليمان بن أرقم: متروك الحديث.
ورواه ابن عدي -أيضا- في ((الكامل)) من ترجمة يزيد بن سنان أيضا، وقال: عامة حديثه غير محفوظ.
وقال النسائي: يزيد بن سنان متروك الحديث. انتهى.
ولا يصح هذا الحديث عن أبي هريرة من سائر طرقه، وهو مخالف لحديث سمرة، وحديث سمرة أولى بالصواب. والله أعلم.
صفحه ۸۲
الباب الثالث في بيان أن حب العرب حب للنبي صلى الله عليه وسلم
10- أخبرنا أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم البكري، فيما أذن لي أن أرويه عنه، عن عبد اللطيف بن عبد المنعم الحراني، قال: أنبأنا خليل بن أبي الرجا الراراني قال: أخبرنا الحسن بن أحمد الحداد قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا سليمان بن أحمد الحافظ قال:
حدثنا أبو مسلم هو إبراهيم بن عبد الله الكجي قال: حدثنا معقل بن مالك الباهلي قال: حدثنا الهيثم بن جماز عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((حب قريش إيمان وبغضهم كفر، وحب العرب إيمان وبغضهم كفر، من أحب العرب فقد أحبني، ومن أبغض العرب فقد أبغضني)).
صفحه ۸۳
قال الطبراني: لم يروه عن ثابت إلا الهيثم بن جماز.
انتهى.
وأخرجه الحاكم في المستدرك مقتصرا على بعضه، وقال: إنه صحيح الإسناد.
وما ذكره من صحة إسناده ليس بجيد؛ فإن الهيثم بن جماز ضعيف عندهم، قال ابن عدي في ((الكامل)): أحاديثه أفراد عن ثابت، وفيها ما ليس بالمحفوظ.
صفحه ۸۴
11- وله شاهد من حديث ابن عمر رويناه في المعجم الكبير للطبراني، من رواية عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في أثناء حديثه، قال فيه: ((فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم)).
وقد تقدم في الباب الأول بإسناده.
صفحه ۸۵
الباب الرابع في قوله: ((أحبوا العرب لثلاث))
12- أخبرني علي بن أحمد بن محمد بن صالح بقراءتي عليه قال: أخبرنا علي بن أحمد بن عبد الواحد بن البخاري، وعبد الرحمن بن أحمد بن عبد الملك، قالا: أخبرنا أبو القاسم عبد الصمد بن محمد الحرستاني قال: أخبرنا عبد الكريم بن حمزة إجازة قال: أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الكتاني قال: حدثنا تمام بن محمد الرازي قال:
حدثنا أبو الخير زهير بن محمد بن يعقوب الموصلي، حدثنا أبو عبد الله الحسين بن عمر بن الأحوص الكوفي، حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي.
صفحه ۸۷