العلم - فيما ترى النسوية - كأية بنية ثقافية أخرى في الحضارة الغربية البطريركية: مؤسسة موسومة بالمركزية الذكورية والجنوسة والتحيز الجنساني ، ويكون أفضل لو أنه عولج من غلواء هذا، بل إن العلم الحديث أكثر استحقاقا للمعالجة النسوية وقيمها الأنثوية؛ لأنه أكثر من سواه تجسيدا للقيم الذكورية، اعتبر كل ما هو أنثوي حميم كالعاطفة والحنو والشعور والانفعال وعمق الارتباط بالآخر ... لا علم وضد المنهج العلمي، وانطلق بروح الهيمنة والسيطرة على الطبيعة وتسخيرها، مما تمخض عن الكارثة البيئية، واستغلال قوى العلم المعرفية والتكنولوجية في قهر الثقافات والشعوب الأخرى، وبهذا القالب الذكوري المصمت يبدو العلم خشنا جافا، يوضع كنقيض للإنسانيات، في حين أنه الأكثر إنسانية وحيوية وإبداعية.
ترفض فلسفة العلم النسوية هذا التفسير الذكوري الأوحد للعلم، وتحاول إبراز وتفعيل الجوانب والقيم المختلفة الخاصة بالأنثى، لكي تضيف إلى مفهوم المنهج العلمي قيما أنكرها، ليغدو أكثر إنتاجية ومواءمة إنسانية. وفي محاولاتها لتقديم البديل الأفضل، تركت بصماتها على مسارات فلسفة العلوم، بحيث جعلتها أكثر التحاما بالواقع وبالحياة، وأسهمت بثقلها في الانتقال من مقولة العلم «المتحرر من القيم» إلى وضع «العلم المحمل بالقيم»، والمتحمل لمسئولياته الاجتماعية والثقافية. وتتقدم ساندرا هاردنج الرائدة حقا لفلسفة العلم النسوية، لتؤكد أن «التحرر من القيم لا يجعل العلم موضوعيا أبدا، بل كلما كان العلم محملا بالقيم، كلما كان أكثر موضوعية»،
15
وبالتالي صادرت على أن أهم أهداف فلسفة العلم النسوية، إثبات أن المعرفة العلمية والممارسة العلمية محملتان بالقيم، وضرورة إنهاء الصورة الرديئة للعلم المجرد من القيم. وبهذا تقدم النسوية مفهوم المنهج العلمي المسئول أخلاقيا، وقيل إن الدور العظيم للميثودولوجيا النسوية، يتمثل في عقد الصلة بين فلسفة العلم وفلسفة الأخلاق، والإسهام في القضاء على الانفصال البائن الذي كان بينهما.
النسوية في بحثها عن صورة جديدة متطورة للعلم والممارسات العلمية، تقدمت بمفهوم للمنهج العلمي يشتجر بالقيم الأنثوية الحميمة، من قبيل الاعتماد المتبادل والتفكير السياقي، الحدس والانفعال، الشعور والعاطفة، الترابطية والاتصال بدلا من التفرد والانفصال والاستقلال الذاتي في الذكورية، فضلا عن أخلاق الرعاية الحانية والمسئولية في الموقف الحياتي المعني، بدلا من أخلاق القاعدة الصورية والقوانين المجردة والمبادئ العمومية في الذكورية. إنه البحث عن الكيفيات والخصائص والحالات الفردية والوقائع المتعينة، وعن إعادة الاعتبار للمناهج الكيفية حتى لا ينفرد الأسلوب التكميمي والمعدلات الإحصائية بالميدان. وفي مقابل العجلة في البحث العلمي وسرعة الإنجاز، وأسبقية الكشف والنشر، يمكن التوقف بإزاء قيمة أنثوية خاصة هي التعهد والرعاية و«المقاربة طويلة المدى، التي تكشف عما لا يكشف عنه عشرات البحوث العجلى».
16
تبحث الميثودولوجيا النسوية عن علاقات بين الباحثين تقوم على رفض السلطة والتراتب الهرمي، سواء بين العلماء أو بين المؤسسات العلمية أو بين فروع العلم، وتنزع إلى نسائج من التفاعلات، وإلى تعاون بين العلماء يقوم على الاحترام المتبادل والعمل في انسجام، بدلا من التنافس المحموم، وفي هذا تعلي من قيمة التزامل
collaboration
واستراتيجيات الأبحاث المصممة، بحيث يشترك فيها أكثر من باحث، إن التزامل يشجع التشارك في اتخاذ القرار، ويخلق مجتمعا متعاونا بلا تراتب هرمي، كما تروم النسوية دائما. ومن الإيجابيات أيضا العناية بأساليب تدريس العلوم وكيفية جعل العلم جذابا للطلبة وللطالبات خصوصا،
17
صفحه نامشخص