يكتسب هذا المصطلح - وأي مصطلح - موقعا متميزا ويناط به أدوار مترامية النطاق، حين يغدو مصطلحا فلسفيا. (3) المنهج كمصطلح فلسفي
كانت الفلسفة قد نشأت وتطورت في منطقة حوض البحر المتوسط وأقاليم متاخمة، على مدى ما يربو على خمسة وعشرين قرنا من الزمان، ومثلت الفلسفة الإسلامية حقبة هامة من حقبها وجانبا متينا من جوانبها. إن الفلسفة في جملتها تجريد وتجسيد لمسار الحضارة الإنسانية، وفي مراحلها المتعاقبة هي دائما الانعكاس المجرد الواعي لمرحلتها الحضارية. وقد عنيت الفلسفة أيما عناية بمصطلح المنهج، ومنهج البحث تحديدا. هذا من حيث إن الفلسفة معنية دائما بالمعرفة وطرائقها، وذلك في واحد من أهم مباحثها وهو مبحث الإبستمولوجيا (= نظرية المعرفة)، وكما هو معروف يمكن اعتبار المباحث الكبرى الثلاثة للفلسفة بجملتها، هي نظرية المعرفة ونظرية الوجود ونظرية القيمة (أو الإبستمولوجيا والأنطولوجيا والأكسيولوجيا). «المنهج» كمصطلح فلسفي على وجه الخصوص يعني: وسيلة المعرفة، طريقة الخروج بالنتائج الفعلية من الموضوع المطروح للدراسة، والطريقة المتبعة في دراسة موضوع ما للتوصل إلى قانون أو نتائج أو محصلة عامة. والمنهج في الفلسفة هو أيضا فن ترتيب الأفكار ترتيبا دقيقا، بحيث تؤدي إلى الكشف عن حقيقة مجهولة أو البرهنة على صحة حقيقة معلومة.
18
هكذا نجد التعريف الفلسفي لمصطلح المنهج، لا يخرج عن التعريف المعمول به في شتى العلوم، أوليست تنعت الفلسفة بأنها أم العلوم.
والواقع أن سبل الفلسفة خير السبل لتحديد المفاهيم والمصطلحات، هذا من حيث إن وظيفة الفلسفة أصلا هي توضيح وتقنين المفاهيم، حتى قيل إن الفلسفة ليست «حب الحكمة»
19
بقدر ما هي «صداقة المفاهيم». وهذا تعبير أثير في الفلسفة الفرنسية الراهنة على وجه الخصوص. وفي عصرنا الثائر المضطرب، الملبد بالغيوم والضباب الكثيف، لم تعد الفلسفة تستطيع مواصلة الزعم بأنها حب الحكمة، أين هي الحكمة التي يتجلى حسنها وبهاؤها وضياؤها؟ لنتبتل في محرابها ونتصبب بوجدها، ونحن نحيا في عصر التعددية والنسبوية وانهيار المطلقيات. انهار مطلق نيوتن والمطلق في المعرفة إجمالا، والمطلق في الفن وفي الأخلاق وفي السياسة ... وفي أعقاب انهيار المطلق انهارت يقينيات عديدة. إننا في عصر اللايقين واللاحتمي واللاتعين والاحتمالية والشواش ... في مثل هذه الأجواء حري بالفلسفة أن تكتفي بصداقة المفاهيم.
إن الفلسفة كمبحث نظامي ومنشط دراسي محدد وتخصص أكاديمي، إنما ينصب موضوعها ومجالها على المفاهيم تاركة الوقائع للعلوم التجريبية؛
20
فلئن كانت الفلسفة بشكل عام تعبيرا عن مجمل قصة الفكر البشري، في سعيه الدءوب المتواصل نحو المعرفة، وكانت الفلسفة هي الانعكاس المجرد الواعي لسيرورة وصيرورة الحضارة الإنسانية، فإن «المفاهيم» هي لبنات هذه القصة ومرتكزات هذا الانعكاس المجرد ووحداته الأولية.
صفحه نامشخص