242

Mafātīḥ al-Ghayb

مفاتيح الغيب

ناشر

دار إحياء التراث العربي

ویراست

الثالثة

سال انتشار

١٤٢٠ هـ

محل انتشار

بيروت

ژانرها

تفسیر
الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ: الْمُبَارَكُ: وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ [الْأَنْبِيَاءِ: ٥٠] وَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَشْيَاءَ، فَسَمَّى الْمَوْضِعَ الَّذِي كَلَّمَ فِيهِ مُوسَى ﵇ مُبَارَكًا فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ [الْقَصَصِ: ٣٠] وَسَمَّى شَجَرَةَ الزَّيْتُونِ مُبَارَكَةً يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ [التَّوْبَةِ: ٣٥] لِكَثْرَةِ مَنَافِعِهَا، وَسَمَّى عِيسَى مُبَارَكًا وَجَعَلَنِي مُبارَكًا [مَرْيَمَ: ٣١] وَسَمَّى الْمَطَرَ مُبَارَكًا وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً مُبارَكًا [ق: ٩] لِمَا فِيهِ مِنَ الْمَنَافِعِ، وَسَمَّى لَيْلَةَ الْقَدْرِ مُبَارَكَةً إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ [الدُّخَانِ: ٣] فَالْقُرْآنُ ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلَهُ مَلَكٌ مُبَارَكٌ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ على نبي مبارك لأمة مباركة.
اتصال «ألم» بقوله «ذلك الكتاب»:
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي بَيَانِ اتِّصَالِ قَوْلِهِ: الم بِقَوْلِهِ: ذلِكَ الْكِتابُ قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ: إِنْ جَعَلْتَ الم اسْمًا لِلسُّورَةِ فَفِي التَّأْلِيفِ وُجُوهٌ:
الأول: أن يكون الم مبتدأ وذلِكَ مبتدأ ثانيًا والْكِتابُ خَبَرَهُ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُ الْمُبْتَدَأِ الْأَوَّلِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْكِتَابُ الْكَامِلُ، كَأَنَّ مَا عَدَاهُ مِنَ الْكُتُبِ فِي مِقَابَلَتِهِ نَاقِصٌ، وَإِنَّهُ الَّذِي يَسْتَأْهِلُ أَنْ يَكُونَ كِتَابًا كَمَا تَقُولُ: هُوَ الرَّجُلُ، أَيِ الْكَامِلُ فِي الرُّجُولِيَّةِ الْجَامِعُ لِمَا يَكُونُ فِي الرِّجَالِ مِنْ مُرْضِيَاتِ الْخِصَالِ، وَأَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ صِفَةً، وَمَعْنَاهُ هُوَ ذَلِكَ الْكِتَابُ الْمَوْعُودُ، وَأَنْ يَكُونَ الم خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هَذِهِ الم وَيَكُونَ ذلِكَ الْكِتابُ خَبَرًا ثَانِيًا أَوْ بَدَلًا عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ صِفَةٌ، وَمَعْنَاهُ هُوَ ذَلِكَ، وَأَنْ تَكُونَ هَذِهِ الم جملة وذلِكَ الْكِتابُ جُمْلَةً أُخْرَى وَإِنْ جُعِلَتْ الم بِمَنْزِلَةِ الصَّوْتِ كَانَ ذلِكَ مُبْتَدَأً وَخَبَرُهُ الْكِتابُ أَيْ ذَلِكَ الْكِتَابُ الْمُنَزَّلُ هُوَ الْكِتَابُ الْكَامِلُ، أَوِ الْكِتَابُ صِفَةٌ وَالْخَبَرُ مَا بَعْدَهُ أَوْ قُدِّرَ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ هُوَ يَعْنِي الْمُؤَلَّفَ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ ذَلِكَ الْكِتَابُ وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لَا رَيْبَ فِيهِ [السَّجْدَةِ: ٢] وتأليف هذا ظاهر.
تفسير قوله تعالى: لَا رَيْبَ فِيهِ:
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَا رَيْبَ فِيهِ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الرَّيْبُ قَرِيبٌ مِنَ الشَّكِّ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ، كَأَنَّهُ ظَنُّ سُوءٍ تَقُولُ رَابَنِي أَمْرُ فُلَانٍ إِذَا ظَنَنْتَ بِهِ سوء، وَمِنْهَا
قَوْلُهُ ﵇: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ»
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يُسْتَعْمَلُ الرَّيْبُ فِي قَوْلِهِمْ: «رَيْبُ الدَّهْرِ» وَ«رَيْبُ الزَّمَانِ» أَيْ حَوَادِثُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ [الطُّورِ: ٣٠] وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا فِي مَعْنَى مَا يَخْتَلِجُ فِي الْقَلْبِ مِنْ أَسْبَابِ الْغَيْظِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَضَيْنَا مِنْ تِهَامَةَ كُلَّ رَيْبٍ ... وَخَيْبَرَ ثُمَّ أَجْمَعْنَا السُّيُوفَا
قُلْنَا: هَذَانِ قَدْ يَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنَى الشَّكِّ، لِأَنَّ مَا يُخَافُ مِنْ رَيْبِ الْمَنُونِ مُحْتَمَلٌ، فَهُوَ كَالْمَشْكُوكِ/ فِيهِ، وَكَذَلِكَ مَا اخْتَلَجَ بِالْقَلْبِ فَهُوَ غَيْرُ مَتَيَقَّنٍ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا رَيْبَ فِيهِ الْمُرَادُ مِنْهُ نَفْيُ كَوْنِهِ مَظِنَّةً لِلرَّيْبِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهِ، وَلَا فِي كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَلَا فِي كَوْنِهِ مُعْجِزًا. وَلَوْ قُلْتَ:
الْمُرَادُ لَا رَيْبَ فِي كَوْنِهِ مُعْجِزًا عَلَى الْخُصُوصِ كَانَ أَقْرَبَ لِتَأْكِيدِ هَذَا التَّأْوِيلِ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا

2 / 265