160

Mafātīḥ al-Ghayb

مفاتيح الغيب

ناشر

دار إحياء التراث العربي

شماره نسخه

الثالثة

سال انتشار

١٤٢٠ هـ

محل انتشار

بيروت

ژانرها

تفسیر
مَاتَ وَلِسَانُهُ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ»
وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵇ يَقُولُ: يَا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ.
وَمِثْلُ هَذَا كَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَسْعَى فِي إِخْفَائِهِ؟ وَلِهَذَا السَّبَبِ
نُقِلَ أَنَّ عَلِيًّا ﵁ كَانَ مَذْهَبُهُ الْجَهْرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ،
وَأَقُولُ إِنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ قَوِيَّةٌ فِي نَفْسِي رَاسِخَةٌ فِي عَقْلِي لَا تَزُولُ الْبَتَّةَ بِسَبَبِ كَلِمَاتِ الْمُخَالِفِينَ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ: مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ، أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَصَلَّى بِهِمْ، وَلَمْ يَقْرَأْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَلَمْ يُكَبِّرْ عِنْدَ الْخَفْضِ إِلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ. يَا مُعَاوِيَةُ، سَرَقْتَ مِنَّا الصَّلَاةَ، أَيْنَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ وَأَيْنَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؟ ثُمَّ إِنَّهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ وَالتَّكْبِيرِ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ سُلْطَانًا عَظِيمَ الْقُوَّةِ شَدِيدَ الشَّوْكَةِ فَلَوْلَا أَنَّ الْجَهْرَ بِالتَّسْمِيَةِ كَانَ كَالْأَمْرِ الْمُتَقَرِّرِ عِنْدَ كُلِّ الصَّحَابَةِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَإِلَّا لَمَا قَدَرُوا عَلَى إِظْهَارِ الْإِنْكَارِ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ:
رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي «السُّنَنِ الْكَبِيرِ» عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْهَرُ فِي الصَّلَاةِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ،
ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى الْجَهْرَ عَنْ/ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَمَّا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ﵁ كَانَ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ فَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ، وَمَنِ اقْتَدَى فِي دِينِهِ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَدِ اهْتَدَى، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ ﵇: اللَّهُمَّ أَدِرِ الْحَقَّ مَعَ عَلِيٍّ حَيْثُ دَارَ.
الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ: أَنَّ قَوْلَهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ لَا بُدَّ مِنْ إِضْمَارِهِ، وَالتَّقْدِيرُ بِإِعَانَةِ اسْمِ اللَّهِ اشْرَعُوا فِي الطَّاعَاتِ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى هَذَا الْمُضْمَرِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ اسْتِمَاعَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ يُنَبِّهُ الْعَقْلَ عَلَى أَنَّهُ لَا حَوْلَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِلَّا بِعِصْمَةِ اللَّهِ، وَلَا قُوَّةَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ إِلَّا بِتَوْفِيقِ اللَّهِ، وَيُنَبِّهُ الْعَقْلَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتِمُّ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرَاتِ وَالْبَرَكَاتِ إِلَّا إِذَا وَقَعَ الِابْتِدَاءُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ وَالطَّاعَاتِ حُصُولُ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي الْعُقُولِ، فَإِذَا كَانَ اسْتِمَاعُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ يُفِيدُ هَذِهِ الْخَيْرَاتِ الرَّفِيعَةَ وَالْبَرَكَاتِ الْعَالِيَةَ دَخَلَ هَذَا الْقَائِلُ تَحْتَ قَوْلِهِ: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، [آل عمران: ١١٠] لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ بِسَبَبِ إِظْهَارِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ أَمَرَ بِمَا هُوَ أَحْسَنُ أَنْوَاعِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَهُوَ الرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِاللَّهِ فِي كُلِّ الْخَيْرَاتِ، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَكَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَاقِلِ أَنْ يَقُولَ إِنَّهُ بِدْعَةٌ.
واحتج المخالف بوجوه وحجج: الحجة الأولى:
رَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، وَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَرَوَى مُسْلِمٌ هَذَا الْخَبَرَ فِي «صَحِيحِهِ»، وَفِيهِ أَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «وَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَفِي رِوَايَةٍ رَابِعَةٍ «فَلَمْ يَجْهَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» .
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ: مَا
رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُغَفَّلِ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ:
يَا بُنَيَّ إِيَّاكَ وَالْحَدَثَ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدْ صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ، وَخَلْفَ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، فَابْتَدَءُوا القراءة بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَإِذَا صَلَّيْتَ فَقُلِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ،
وَأَقُولُ: إِنَّ أَنَسًا وَابْنَ الْمُغَفَّلِ خَصَّصَا عَدَمَ ذِكْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِالْخُلَفَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَلَمْ يَذْكُرَا عَلِيًّا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى إِطْبَاقِ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ عَلِيًّا كَانَ يَجْهَرُ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

1 / 180