156

Mafātīḥ al-Ghayb

مفاتيح الغيب

ناشر

دار إحياء التراث العربي

شماره نسخه

الثالثة

سال انتشار

١٤٢٠ هـ

محل انتشار

بيروت

ژانرها

تفسیر
الرَّحِيمِ حِينَ اسْتَفْتَحْتَ الْقُرْآنَ؟ فَأَعَادَ مُعَاوِيَةُ الصَّلَاةَ وَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَمِنَ الْفَاتِحَةِ، وَعَلَى أَنَّ الْأَوْلَى الْجَهْرُ بِقِرَاءَتِهَا.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ سَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانُوا عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي أَعْمَالِ الْخَيْرِ يَبْتَدِئُونَ بِذِكْرِ بِسْمِ اللَّهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَى رَسُولِنَا ﷺ ذَلِكَ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْوُجُوبُ فِي حَقِّ الرَّسُولِ ثَبَتَ أَيْضًا فِي حَقِّنَا، وَإِذَا ثَبَتَ الْوُجُوبُ فِي حَقِّنَا ثَبَتَ أَنَّهُ آيَةٌ مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، أَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى: فَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا أَنْ نُوحًا ﵇ لَمَّا أَرَادَ رُكُوبَ السَّفِينَةِ قَالَ: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها [هُودٍ: ٤١] وَأَنَّ سُلَيْمَانَ لَمَّا كَتَبَ إِلَى بِلْقِيسَ كَتَبَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَإِنْ قَالُوا: أَلَيْسَ أَنَّ قوله تعالى: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النَّمْلِ: ٣٠] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُلَيْمَانَ قَدَّمَ اسْمَ نَفْسِهِ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى؟ قُلْنَا: مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الطَّيْرَ أَتَى بِكِتَابِ سُلَيْمَانَ وَوَضَعَهُ عَلَى صَدْرِ بِلْقِيسَ، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي بَيْتٍ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ لِكَثْرَةِ مَنْ أَحَاطَ بِذَلِكَ الْبَيْتِ مِنَ الْعَسَاكِرِ وَالْحَفَظَةِ، فَعَلِمَتْ بِلْقِيسُ أَنَّ ذَلِكَ الطَّيْرَ هُوَ الَّذِي أَتَى بِذَلِكَ الْكِتَابِ، وَكَانَتْ قَدْ سَمِعَتْ بَاسِمِ سُلَيْمَانَ، فَلَمَّا أَخَذَتِ الْكِتَابَ قَالَتْ هِيَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهَا: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ، فَلَمَّا فَتَحَتِ الْكِتَابَ رَأَتِ التَّسْمِيَةَ مَكْتُوبَةً فَقَالَتْ: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. فَثَبَتَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ ﵈ كُلَّمَا شَرَعُوا فِي عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ ابْتَدَءُوا بِذِكْرِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ هَذَا فِي حَقِّ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَى رَسُولِنَا ذَلِكَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ [الْأَنْعَامِ: ٩٠] وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي حَقِّ الرَّسُولِ وَجَبَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْنَا ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:
وَاتَّبِعُوهُ وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ قِرَاءَتِهِ عَلَيْنَا ثَبَتَ أَنَّهُ آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ تَعَالَى مُتَقَدِّمٌ بِالْوُجُودِ عَلَى وُجُودِ سَائِرِ الْمَوْجُودَاتِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَدِيمٌ وَخَالِقٌ وَغَيْرُهُ مُحْدَثٌ وَمَخْلُوقٌ، وَالْقَدِيمُ الْخَالِقُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى الْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ تَعَالَى سَابِقٌ عَلَى غَيْرِهِ وَجَبَ بِحُكْمِ الْمُنَاسَبَةِ الْعَقْلِيَّةِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُهُ سَابِقًا عَلَى ذِكْرِ غَيْرِهِ، وَهَذَا السَّبْقُ فِي الذِّكْرِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ قِرَاءَةُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ سَابِقَةً عَلَى سَائِرِ الْأَذْكَارِ وَالْقِرَاءَاتِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ هَذَا التَّقَدُّمِ حَسَنٌ فِي/ الْعُقُولِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الشَّرْعِ
لِقَوْلِهِ ﵊: «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ،
وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْقِرَاءَةِ ثَبَتَ أَيْضًا أَنَّهَا آيَةٌ مِنَ الْفَاتِحَةِ، لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ.
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا شَكَّ أَنَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ النَّمْلِ ثُمَّ إِنَّا نَرَاهُ مُكَرَّرًا بِخَطِّ الْقُرْآنِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْقُرْآنِ كَمَا أَنَّا لَمَّا رَأَيْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرَّحْمَنِ: ١٣] وقوله تعالى: فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ [الْمُرْسَلَاتِ: ١٥] مُكَرَّرًا فِي الْقُرْآنِ بِخَطٍّ وَاحِدٍ وَصُورَةٍ وَاحِدَةٍ، قُلْنَا: إِنَّ الْكُلَّ مِنَ الْقُرْآنِ.
الْحُجَّةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ:
رُوِي أَنَّهُ ﷺ كَانَ يَكْتُبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى رَسْمِ قُرَيْشٍ «بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ» حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها [هُودٍ: ٤١] فَكَتَبَ «بِسْمِ اللَّهِ» فَنَزَلَ قَوْلُهُ: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [الْإِسْرَاءِ: ١١٠] فَكَتَبَ «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ» فَلَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [النَّمْلِ: ٣٠] كَتَبَ مِثْلَهَا،
وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّ أَجْزَاءَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ كُلِّهَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَمَجْمُوعُهَا

1 / 176