109

Mafātīḥ al-Ghayb

مفاتيح الغيب

ناشر

دار إحياء التراث العربي

شماره نسخه

الثالثة

سال انتشار

١٤٢٠ هـ

محل انتشار

بيروت

ژانرها

تفسیر
نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ
[النَّحْلِ: ٤٠] وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ لَا تَفَاوُتَ فِي قُدْرَتِهِ بَيْنَ فِعْلِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، قَالَ تَعَالَى: وَما أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ [النَّحْلِ: ٧٧] وَرَابِعُهَا: نَفْيُ انْتِهَاءِ الْقُدْرَةِ وَحُصُولِ الْفَقْرِ، قَالَ تَعَالَى:
لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ [آلِ عِمْرَانَ: ١٨١] وَأَمَّا السُّلُوبُ الْعَائِدَةُ إِلَى صِفَةِ الِاسْتِغْنَاءِ فَكَقَوْلِهِ: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [الْأَنْعَامِ: ٢٤] / وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ [الْمُؤْمِنُونَ: ٨٨] وَأَمَّا السُّلُوبُ الْعَائِدَةُ إِلَى صِفَةِ الْوَحْدَةِ- وَهُوَ مِثْلُ نَفْيِ الشُّرَكَاءِ وَالْأَضْدَادِ وَالْأَنْدَادِ- فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْهُ، وَأَمَّا السُّلُوبُ الْعَائِدَةُ إِلَى الْأَفْعَالِ- وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا- فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْهُ، أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ الْبَاطِلَ، قَالَ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلًا ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا [ص: ٢٧] وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْمُؤْمِنِينَ: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا مَا خَلَقْتَ هَذَا باطِلًا [آلِ عِمْرَانَ: ١٩١] وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يَخْلُقُ اللَّعِبَ، قَالَ تَعَالَى: وَما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ، مَا خَلَقْناهُما إِلَّا بِالْحَقِّ [الدخان: ٣٨- ٣٩] وَثَالِثُهَا: لَا يَخْلُقُ الْعَبَثَ، قَالَ تَعَالَى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لَا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [الْمُؤْمِنُونَ: ١١٥، ١١٦] وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ لَا يَرْضَى بِالْكُفْرِ، قَالَ تَعَالَى: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ [الزُّمَرِ: ٧] وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ لَا يُرِيدُ الظُّلْمَ، قَالَ تَعَالَى: وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبادِ [غَافِرٍ: ٣١] وَسَادِسُهَا: أَنَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، قَالَ تَعَالَى: وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسادَ [الْبَقَرَةِ: ٢٠٥] وَسَابِعُهَا: أَنَّهُ لَا يُعَاقِبُ مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ جُرْمٍ، قَالَ تَعَالَى: مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ [النِّسَاءِ: ١٤٧] وَثَامِنُهَا: أَنَّهُ لَا يَنْتَفِعُ بِطَاعَاتِ الْمُطِيعِينَ وَلَا يَتَضَرَّرُ بِمَعَاصِي الْمُذْنِبِينَ، قَالَ تَعَالَى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها [الْإِسْرَاءِ: ٧] وَتَاسِعُهَا: أَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ فِي أَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ، قَالَ تَعَالَى: لَا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ [الأنبياء: ٢٣] وقال تعالى: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [البروج: ١٦] وَعَاشِرُهَا: أَنَّهُ لَا يُخْلِفُ وَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، قَالَ تَعَالَى: مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [ق: ٢٩] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْأَصْلَ فَنَقُولُ: أَقْسَامُ السُّلُوبِ بِحَسَبِ الذَّاتِ وَبِحَسَبِ الصِّفَاتِ وَبِحَسَبِ الْأَفْعَالِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَيَحْصُلُ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ أَيْضًا أَقْسَامٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا الْأَصْلَ فَلْنَذْكُرْ بَعْضَ الْأَسْمَاءِ الْمُنَاسِبَةِ لِهَذَا الْبَابِ: فَمِنْهَا الْقُدُّوسُ، وَالسَّلَامُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْقُدُّوسُ عِبَارَةً عَنْ كَوْنِ حَقِيقَةِ ذَاتِهِ مُخَالِفَةً لِلْمَاهِيَّاتِ الَّتِي هِيَ نَقَائِصُ فِي أَنْفُسِهَا، وَالسَّلَامُ عِبَارَةً عَنْ كَوْنِ تِلْكَ الذَّاتِ غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ، فَالْقُدُّوسُ سَلْبٌ عَائِدٌ إِلَى الذَّاتِ، وَالسَّلَامُ سَلْبٌ عَائِدٌ إِلَى الصِّفَاتِ، وَثَانِيهَا: الْعَزِيزُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ، وَثَالِثُهَا: الْغَفَّارُ، وَهُوَ الَّذِي يُسْقِطُ الْعِقَابَ عَنِ الْمُذْنِبِينَ، وَرَابِعُهَا: الْحَلِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا يُعَاجِلُ بِالْعُقُوبَةِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ إِيصَالِ الرَّحْمَةِ، وَخَامِسُهَا: الْوَاحِدُ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي حَقِيقَتِهِ المخصوصة، ولا يشاركه أحد في صفة الإلهية، ولا يشاركه أحد في خلق الأرواح والأجسام، وَلَا يُشَارِكُهُ أَحَدٌ فِي نُظُمِ الْعَالَمِ وَتَدْبِيرِ أحوال العرش وسادسها: الْغَنِيُّ: وَمَعْنَاهُ كَوْنُهُ مُنَزَّهًا عَنِ الْحَاجَاتِ وَالضَّرُورَاتِ، وَسَابِعُهَا: الصَّبُورُ، وَالْفَرْقُ/ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَلِيمِ أَنَّ الصَّبُورَ هُوَ الَّذِي لَا يُعَاقِبُ الْمُسِيءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَالْحَلِيمُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ كَذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ إِيصَالِ نِعْمَتِهِ إِلَيْهِ، وَقِسْ عَلَيْهِ الْبَوَاقِيَ وَاللَّهُ الْهَادِي.

1 / 129