ذلك هو اللقاء بين الفنان والعالم الخارجي، فهو يرى الشيء، ويحس بتفرده وجماله وعذابه، فيتردد على الفور شيء كالصدى في نفسه يستيقظ ويسمو ويتفتح، وكلما زاد حظ الفنان من العمق والقوة والغنى الوجداني، كانت قدرته على هذا اللقاء أقوى وأعمق، وعلى الاستجابة للوجود الخارجي أغنى وأدق. في هذا اللقاء وبهذه الاستجابة يعود الفنان أيضا إلى نفسه، فقد رأينا أنه لا يدرك الشيء كما هو عليه من الواقع، بل يرى وراء ظاهره باطنه، ويستشعر حقيقته من مظهره، وفي هذا اللقاء تظهر حقيقته هو أيضا، ويدرك وراء وجوده اليومي وجودا آخر أعمق وأبعد. ليس هنا شيء من الغرور أو الأنانية، فكما برزت حقيقة الشيء في حس الفنان، فكذلك تستيقظ حقيقته هو نفسه ويدرك رسالته التي خلق لها ونودي إلى تحقيقها من خلال العمل الفني.
هكذا تتحد حقيقة الشيء وحقيقة الفنان في وحدة حسية تجاهد في سبيل التعبير، إحساس الفنان بذاته يجري في طريقة رؤيته للشيء الخارجي، وشكل الشيء الخارجي يتم الإحساس به من خلال التجربة الذاتية، وكلاهما يندمج بحيث يصبح شكلا أو عملا فنيا يختلف الدافع إليه باختلاف العصور وتفاوت شخصيات الفنانين، فبعضهم يوجه اهتمامه إلى جوهر الشيء وقوامه، ويعني بالأشكال في علاقاتها وقوتها، كما نرى في الفن القديم، وبعضهم يهتم بالجو السائد بين هذه الأشكال، أي بالضوء أو اللون أو الجو العام، كما يفعل التأثيريون، وبعضهم يبحث عن البناء والمعمار، كما فعل «أندريا دل سارتو» (1486-1531)، وبعضهم الآخر بالقوة المتدفقة بالحركة الديناميكية، كما نرى في لوحات «ميكيل أنجلو» أو تماثيله. أراد الفنان المصري القديم أن يصور الشيء المميز والقانون الباقي وراء التنوع الظاهر في العالم، بينما أراد الفنان الحديث أن يعبر عن الطابع الفردي الذي لا يتكرر (لنذكر رمبرانت أعظم الفنانين). كان الفن حتى الحرب العالمية الأولى يبدأ بما تقدمه الطبيعة؛ لكي يبرز ما فيها من تعبير وشفافية، ثم حدث شيء جديد، وأخذ الفنانون يبحثون عن الأشكال الأولية الكامنة وراء الأشكال الطبيعية، لكي يعبروا بها عما في الحياة من عناصر أولية، ونشأ بذلك ما نسميه اليوم بالفن التجريدي.
كذلك تختلف عملية التأثر والبحث والتكوين، ونحن بهذا نطرق فصلا من أصعب وأمتع الفصول في حياة الفنانين ونفسياتهم، ونطلع على تاريخ العمل الفني الواحد من خلال الفنان، كما نتعرف على تاريخ تجربته في الخلق والإبداع، فمن الفنانين من يتحول انطباعهم إلى الفعل مباشرة، وكأن هذا الفعل يقفز على الفور من لقائهم الحي مع الشيء الخارجي (كما في رسوم دومييه)، ومنهم من يعاني هذا التأثر ثم تمر فترة طويلة من المعاناة قبل أن يتحقق في صورة عمل فني، فالشكل ينمو شيئا فشيئا، ويظل ينتقل من مرحلة إلى أخرى، ويضيف لنفسه عناصر شتى من تجارب سابقة، ويعالج انطباعات من أعمال قديمة، ويحاول محاولات يطرح بعضها ويستبقي البعض الآخر حتى يصل أو يكاد يصل إلى التعبير الذي كان يبحث عنه، ولكل فنان في ذلك عاداته وطبعه الخاص، فما يعين أحدهم على الخلق قد يضايق الآخر، وكميات القهوة الرهيبة التي كان يستعين بها بلزاك على إنتاجه الخصب؛ تصبح تفاحة عطنة يحرص شاعر مثل شيلر على شمها عند الكتابة ! •••
اقتصرنا حتى الآن على الكلام عن العناصر التي نراها مباشرة في العمل الفني ، على فرض أن للإنسان عينين تريدان وتستطيعان الرؤية، على أن هناك عناصر أخرى تشترك في تكوين العمل الفني لا تقل تأثيرا عن سابقتها، وإن لم تكن في مثل وضوحها، من هذه العناصر ما يمكن أن نسميه «بالصور الأولية»، فلكل شكل من الأشكال - وليكن تفاحة أو بذرة أو خيطا - معناه المباشر، قد يكون هذا المعنى مرتبطا بحياتنا العادية، وقد ندرس طبيعته من الناحية العلمية أو الصناعية، أو نجعله رمزا يعبر عن معنى من المعاني التاريخية أو الدينية أو الأسطورية. لنأخذ الخيط مثلا، فنحن نستطيع أن نستخدمه في غرض عملي، فنعلقه بين نقطتين أو نحيك به ثوبا، نستطيع أيضا أن نبحث عن خصائصه العلمية لنفهم قوانين المرونة التي يخضع لها أو مميزاته الاقتصادية في إنتاج الأقمشة، وما شابه ذلك، ويكتسب هذا الخيط معنى أعمق حين نتحدث عن «خيط الحياة»، فنستعير هذه الصورة عن أسطورة قديمة، ونعني بها أسطورة آلهات القدر «النورن» اللائي يجلسن عند نبع «أورد» في مبدأ الخلق والتكوين، ويغزلن أقدار البشر في خيوط، فالأسطورة تصور الحياة خيطا تغزله آلهات القدر ويمددن فيه زمنا لكي يقطعنه في النهاية، والحياة في هذه الصورة شيء تبدأه قوى مجهولة، وتصله فترة ثم لا ندري كيف تنهيه، إنها شيء يمكن أن يسير في نعومة الخيط وسهولته، ولكنه قد يتعقد ويلتف ويضل، وقد يكون ضعيفا واهنا يهدد في كل لحظة بالانقطاع، وقد يحتمل الشد والجذب والتوتر، وقد نرى حاضره ولكن لا نعرف أبدا مستقبله.
في صورة الخيط إذن إشارة إلى وجود الإنسان، تكشف كل ما فيه من تشابك أو بساطة، من عتمة أو إشراق، من خطر أو أمان، صورة الخيط المحسوسة هذه تلقي الضوء على غموض الوجود، وتعكس ألم المصير وصدقه، إنها لا تقدم للإنسان تصورا علميا عن طبيعته، بل شعورا حيا لكل من يستطيع وجدانه أن يتفتح على معنى الوجود، وهي تعطيه وسيلة وأداة، لا لكي يحقق غاية علمية أو عملية، بل ليفهم معنى حياته واتجاهها، قد تعبر أسطورة آلهات القدر عن هذه الصورة ولكنها لا تستنفدها؛ ذلك أنها أقدم من الأسطورة، كما أنها كامنة هناك في جوهر الأشياء وفي أعماق الضمير، وقد تفلح الأسطورة في إبرازها والتعبير بها عن مصير شعب من الشعوب، ولكن الصورة نفسها عنصر أولي من عناصر الوجود الإنساني؛ ولذلك استطاعت أن تبقى بعد فناء التفكير الأسطوري، وزوال الاعتقاد في آلهات القدر، كما استطاعت أن تبقى كإشارة مسعفة نرمز بها لحياتنا ونفهم بها وجودنا، وقل مثل ذلك في صورة أخرى كالميزان والدائرة والأفق والكف والطريق، تشير جميعا إلى معنى من معاني الوجود أو المصير.
ظهرت هذه الصور كلها أول ما ظهرت في مجال الرؤية على أرض الأسطورة والطقوس البدائية، ثم ضعفت القدرة على الرؤية بالتدريج، وحل محلها الخيال الديني، وأصبحت حكمة لمن يرى الغيب موعظة ومذهبا في الحياة، وتفقد الطقوس سلطانها القديم لتصبح في دور العبادة التي لا تزال تحتفظ بها نوعا من إثارة الشعور الديني بالرهبة والتقوى، وتتحلل الأسطورة لتحل في الحكاية الخرافية أو الشعبية أو العادة الموروثة، وتبقى الصورة في هذا كله تعبيرا عن الحكمة الباقية مهما أضعف التفكير العقلي المجرد من قوتها أو قيمتها، وتحيا في أعماق الوجدان فيما نسميه باللاشعور، ومن هناك تواصل تأثيرها على الشعور، والتفكير والإلهام، بل قد تشارك في تكوين ما نسميه بالضمير، وتتحكم إلى حد لا يستهان به في توجيه حكمنا على الأشياء والأحداث.
قد نكون فقدنا الشعور الواعي بهذه الصورة، ولكن هذا لا يمنع أنها لا تزال تتخلل حياتنا، وقد نحس في بعض اللحظات بومضة من معناها القديم (عندما نقف إجلالا لذكرى عزيز أو نقبل رأس ميت حبيب أو نتبادل خاتم الزواج مع شريك الحياة)، إنها مظاهر واضحة في حياة الطفل ولعبه واحتفاله، كما تظهر في ألعاب الشعوب واحتفالاتها وما بقي من طقوسها وأعيادها، ولكنها لا تظهر كأوضح ما تكون إلا في الفن؛ فالحالة التي تغزو الفنان - وهو يباشر الخلق - قريبة من حالة الطفل والعراف القديم، هي حالة لا يحكمها العقل الناقد ولا الإرادة الهادفة، بل تستثار فيها الحياة، فتتفتح على العالم الخارجي وتتفتح للعالم الداخلي، هناك تظهر تلك الصورة، لا كما أرادها الوعي أو فكر فيها، بل تظهر منسوجة في خيوط ذلك الشيء العجيب الذي يتشكل ويتخلق، قد نحس بها في رسم يصور طبيعة مفتوحة تتلاقى فيه حدود السماء العالية بالأرض المنبسطة، وبينهما تلك المنطقة المحدودة التي قدر للإنسان أن يعيش فيها بين العلو والعمق والاتساع والضيق، وقد نشعر بها في رسم آخر يلتقي فيه البحر والشاطئ حين يقطعهما شكل صغير لإنسان عمودي عليهما، يقف منتصبا هادئا مصمما على الفعل مستعدا لمواجهة المجهول، بذلك تثير هذه الصورة المرسومة صورة أخرى سحيقة القدم ما زالت حية في أعماق الضمير، هي صورة الطريق والمصير، تراها العين أو تسمعها الأذن فيفرح الوجدان ويشرق؛ لأنه يرى ويسمع فيها أثر حكمة قديمة تسجل صراعه مع الظلام الأبدي أو مع الموت المحتوم، كذلك الأمر مع إيقاع يتكرر في لحن أو قصيدة، أو مع دائرة تدخل في تكوين لوحة أو بناء، إنها جميعا تضع الموجود الراهن في مكانه من الوجود الخالد العام.
ليس العمل الفني الأصيل إذن شيئا جزئيا أفصله عما يحيط به من وجود عام، بل هو دائما كل متصل ووجود مستقل، فالكرسي الذي أراه الآن أمامي موجود في محيط أشمل منه، فإذا التقطت له صورة فوتوغرافية اقتطعته من عالمه، أما إذا رآه فنان مثل فان جوخ وصوره؛ فإنه يجعل منه المركز الذي يتوسط بقية المكان، كما يتشكل الكرسي نفسه بحيث يبدو كلا مستقلا بنفسه يضفي على كل ما يحيط به روحه وشخصيته. هذا «التشكيل» يتفاوت بين عمل وآخر، قد يكون شفافا مجردا كالشكل الهندسي، وقد يكون ظاهريا أو عرضيا خالصا، وقد يبدو من كتلة الجسم الذي يصوره الفنان وقد يبدو من خلال الحركة أو الجو العام، المهم أنه يحاول دائما أن يبرز الظاهرة الملقاة في عالم الواقع في وحدة ممتلئة بالحياة، هكذا نحس دائما بأن هناك ما يعلو على الشيء المصور ونعني به الوجود ككل، وهذا الوجود ككل لا أستطيع أن أزعم أنني أراه أمام عيني ، فما أنا نفسي سوى جزء ضئيل من كل لا آخر له، وما كل شيء ألتقي به أو أتعامل معه سوى نقطة في بحر من الأشياء والعلاقات، ولكن عملية التشكيل الفني التي أشرت إليها تبرز أمرا فريدا، فهذه الوحدة التي نشأت عن لقاء الشيء المدرك بالإنسان المدرك تشبه صوتا يملك القدرة على الدعاء والنداء. إن الوجود كله حاضر فيها، كل الطبيعة والحياة والتاريخ في وحدة حية، وليس معنى هذا أن العمل الفني يجب أن يكون دائرة معارف للحياة والأحياء، وليس معناه أن اللوحة الضخمة التي تصور مختلف العصور وألوان النشاط الإنساني في بلد من البلاد أو عهد من العهود أقدر من غيرها على إبراز هذه الوحدة الكلية، فليس المهم هنا ماذا يصور الفنان، بل كيف يصوره، المهم هو الأسلوب الذي تعالج به الظاهرة الواحدة في عملية التشكيل الفني، وهنا يكون الحذاء أو الكرسي الوحيد الذي يرسمه فان جوخ على أرض متواضعة أقدر على إبراز الكل من لوحة ضخمة على مبنى رسمي يصور أشتاتا من العصور والشخصيات؛ ذلك لأنه أقدر منها على إسماعنا صوت الكل ونداء الوجود.
هكذا نحس «بالعالم» في كل عمل فني، قد تختلف طبيعة هذا العالم من فن إلى آخر، ولكنها تظل في حقيقتها الأخيرة واحدة؛ فعالم الموسيقى يختلف عن عالم الرسم أو الهندسة، والعناصر الأولى في العالم الأول هي الزمن والنغم، وهي في الثاني السطح والخط واللون، وفي الثالث المكان والكتلة، ولكن اختلاف العناصر بين هذه الفنون لا يمنع أنها تتحد في النهاية في شيء واحد، إنها تحاول أن تضفي على الوحدة - التي تجمع بين الكون والإنسان - معنى تفتقر إليه في الواقع العادي؛ لكي تعبر من خلالها عن شمول الوجود وحقيقة العالم. •••
رأينا كيف أن الفنان يبرز جوهر الأشياء من خلال الرؤية والتشكيل، ويظهره في صورته الخالصة، هو في هذه الصورة الخالصة يظهر جوهره هو نفسه كما يظهر جوهر الإنسان بوجه عام، فالشيء يكتسب معنى جديدا من خلال الرؤية والإحساس والتقييم الذي يقوم به الإنسان، كما يصل الإنسان نفسه من خلال هذا الشيء إلى الشعور بذاته، وحين يحدث هذا يشف الوجود كله من خلال العمل، ويصبح الجزئي رمزا للوجود الكلي. ولما كانت عملية التشكيل تتم على مادة واقعية - كاللون والحجر والنغم واللغة - فإن نتيجتها تتم على هيئة عمل باق، وحيث يأتي المتفرج أو المتذوق ليتأمل هذا العمل، فهو يشارك في العملية التي أخرجته إلى الوجود، وبذلك لا يكون الفنان الذي ولد ليشاهد وخلق ليرى - كما يقول جوته - قد صنع شيئا لنفسه فحسب، بل للناس جميعا. إن في استطاعتهم الآن أن يتأملوه ويفهموه ويجربوه؛ بذلك يتميز العمل الفني عن كل عمل سواه أيا كانت منفعته أو أهميته، فهو لم يوجد من تلقاء نفسه، بل أوجده الإنسان، وهو ليس جزءا من ذلك العالم الأول الذي وجد من قبل أن نوجد ونعني به الطبيعة، بل هو جزء من ذلك العالم الثاني الذي ينتج عن التقاء الإنسان بالطبيعة، وهو يشغل مكانة خاصة بين موجودات هذا العالم الأخير، تجعله - على الرغم من محدوديته وتناهيه - يمثل كلا منفردا، ورمزا للكون والوجود بوجه عام؛ ذلك أن كل عمل فني حق مهما كان صغيرا فهو عالمي بطبيعته، إنه مكان مشكل زاخر بالمعنى، يستطيع المرء أن ينفذ إليه بالرؤية والسمع والحركة، هذا المكان يختلف في بنائه وتكوينه عن كل مكان يملؤه الواقع الخارجي، فليس أدق وأعمق وأجمل وأكثر حياة من كل ما نقابله في حياتنا اليومية فحسب، بل إنه يختص بميزة فريدة: فالشيء والإنسان فيه يتفتحان. إن الشيء والإنسان يكونان مقيدين محجوبين في المكان الذي نحيا فيه حياتنا اليومية، وما ندركه منهما يكشف عن حقيقتهما ويخفيها عنا في نفس الوقت، لكن الفنان الذي يقدر على رؤية الحقيقة - كما يقدر على التعبير عنها - يستطيع أن يصل بها إلى التعبير الكامل عن نفسها؛ فالباطن قد أصبح ظاهرا يمكن للعين أن تراه، والظاهر قد صار باطنا يمكن للوجدان أن يحس به ويضمه إلى تجاربه، ومن خلال ذلك تقترب الأشياء من بعضها كما يزداد الإنسان منها قربا، بحيث يحس أنه يحيا في هذا العالم الكلي الواحد حين يحيا في هذا العالم الجزئي الموحد الذي دخله من باب العمل الفني، ليس يكفي عندئذ أن يرى ويسمع ولا أن يستمتع ويتذوق، كما هو الشأن مع سائر ما يحيط به في حياته العادية، فالعمل الفني يفتح له أفقا جديدا يستطيع أن يتنفس فيه ويتحرك ويتعامل مع مخلوقات تفتحت كذلك على حقيقتها؛ لذلك فإنه مطالب بأن يبذل جهدا كبيرا في التأمل، وهو هذه الموهبة التي كادت تضيع منا من فرط ما نعمل ونجتهد ونفخر بالعمل والاجتهاد، وننسى التركيز والسكون والمشاهدة والتفتح على حقائق الموجودات. إننا نسمع الكثيرين يتكلمون عن الفن، ولكن القليلين هم الذين يتصلون به اتصالا أصيلا، صحيح أن معظمهم يحس بأن هناك شيئا جميلا، ويتحدث بطلاقة عن الأساليب والمدارس، ويعنى بإبراز الجديد في «الشكل» أو في «المضمون»، ولكن هذا كله لا يعبر عن صلة حقيقية بالعمل الفني، فهذه الصلة لا تأتي إلا حين يجمع الإنسان نفسه أمام العمل الفني ويتعلم السكون ويستعد للتلقي، ويدخل في عالمه متفتح النفس، يقظ الحواس؛ فيشاهد وينصت ويعايش؛ عندئذ يتكشف لنا هذا العالم الذي نسميه عالم الفن كما تتكشف لنا نفوسنا بمقدار ما نقترب من العمل الفني ونحاول أن نتعمقه، وهنالك تسقط الأقنعة اليومية وتتألق النفس بنور مباشر ويخف وجودنا الذي نحس بثقله على مدى الأيام، وترتفع الأسوار التي كانت تسد علينا الباب إلى قلب «العالم»، ونعرف معنى الأصالة والخصوبة والصفاء، كما نحس لمس الحقيقة الخالدة على كياننا البائس الفاني.
صفحه نامشخص