إني أعدل إجابتي التي قلتها ردا على سؤال ضابط مباحث قسم المنتزه: هل تتهم أحدا معينا بسرقة شقتك؟
ساعتها قلت له: بصراحة أنا لا أتهم أحدا بالمرة.
اليوم أقول له: آسف يا حضرة الضابط إني أتهم لصا ذا أقدام كبيرة مقاسها 46، ابحث لي أرجوك في لصوص الإسكندرية والمعمورة البلد بالذات عن رجل أو شاب مقاس أقدامه 46 وستجد ضالتك المنشودة.
أقمنا مصيفا سياحيا فاخرا على أرض المعمورة وبقيت في وسطه تماما عزبة مليئة بضجة الميكروفونات والإزعاجات إلى ما بعد أذان الفجر، وفي أول الأمر حين كان سكان تلك العزبة من الفلاحين والزراع الذين يعتمدون في أكل عيشهم على أشجار الجوافة، وزراعة الخضروات أسفلها، كانوا أناسا طيبين وفقراء، ولكن ذممهم وقيمهم كانت مضرب المثل حقا، حتى إن حادثة سرقة واحدة لم تسجل منذ إنشاء المعمورة إلى ما قبل عدة سنوات، حين حدث الانفتاح الأهوج وامتلأت المعمورة بالطبقات الثرية الجديدة التي لا عمل لشبابها إلا ركوب سيارات آبائهم المرسيدس وضغط الفرامل بكل قسوة، والطلوع بالسيارة «أمريكاني»، بل حتى صبيتهم يزودونهم بموتوسيكلات مزعجة الصوت ذهلت تماما حين عرفت أن ثمن الواحد منها لا يقل عن الألفي جنيه، يركبه صبي في العاشرة، ويزعج البنات والأولاد راكبي الدراجات والسائرين على الأقدام، والراديوهات مفتوحة على الآخر وأغاني عدوية وسحر حمدي بأعلى صوت وعلى ودنه. فسد الصيف كمنتجع هادئ، وفسدت أيضا ذمم قاطني العزبة الذين بدأت تطلعاتهم الطبقية تتأجج والحصول على النقود ولو حتى باقتحام شقة وسرقة أنبوبة بوتاجاز حادثا عاديا تماما لا يستغرب له أحد.
أما أنت أيها اللص ذو الأقدام الكبيرة، فإذا كنت تستمتع بالحذاء وقد أراح قدميك فإني مستعد أن أسامحك وأرجو الله أن يغفر لك شريطة أن تعيد لنا أنبوبة بوتاجاز بأي سعر تحدده، وأقسم لك أني لن أفعلها أبدا وأبلغ عنك البوليس، فكيف يبلغ الإنسان عن رفيق أقدام وزميل دفعة واحدة، دفعة 46 التي منها سلطان أبو علي ويوسف صبري أبو طالب؟!
ويسميها انتهاكات الكلمة!
من حق كل زميل في جريدة أن يعلق أو ينقد ما يكتبه زميل أو كاتب آخر، أما أن يلوي هذا الزميل كلام زميله ويخرج به إلى عكس معناه ويسمح لنفسه بعد هذا أن يرد على الكلام المغلوط الذي اختلقه فهذا ليس من حقه فقط، ولكنه يتنافى مع أبسط مبادئ السلوك البشري، فما بالك إذا كان هذا الزميل ممن يزعمون أنهم من حملة راية السلوك الإسلامي القويم، ويكذب هذا الانتهاك الصارخ للحقيقة تحت عنوان - يا للجرأة - انتهاكات الكلمة.
في مفكرة سابقة كتبت أرصد التناقض الذي أصبح صارخا بين علو صوت الميكروفونات المتشنجة الداعية إلى الإسلام، وبين خفوت صوت الضمير، في حين كان المفروض في ظل ازدهار الدعوى للتدين أن تترسب هذه الدعوة على هيئة قيم ومبادئ وسلوك إسلامي قويم، فجاء الزميل ليقول إنني أهاجم التدين وألمز المتدينين وأستنكر ظاهرة تنامي الوعي الديني، فهل ممكن أن يفسر عاقل كلامي هذا الذي قلته على أني أستنكر ظاهرة تنامي الوعي الديني أم أني أستنكر علة نبرة الوعظ والتهديد والوعيد، والفارق بينهما كبير، فنحن جميعا مع تنامي الوعي الديني؛ لأنه الطريقة الوحيدة لترسيخ المبادئ والقيم وتقويم السلوك، أما الميكروفونية التي تزعج الناس وتشوش على تلقيهم وتأملهم لما يقال، فلا علاقة بينها وبين تنامي الوعي، إلا إذا كان الوعي عند الزميل هو القرين لغلظة أصوات الميكروفونات.
أنا لا أريد أن أسأل الزميل بأي حق ينصب من نفسه المدافع الأوحد عن الإسلام بعد سنوات قضاها يعمل بعيدا في البلاد الغنية، بينما نحن هنا نناضل بشراسة من أجل الحفاظ على تديننا الحق وقيمنا الإسلامية الحقيقية، وبأي حق يسمح لنفسه أن يختلق كلاما على لسان كاتب قرأ كلمة - في نفس الجريدة - كل الناس وكلهم شهود عليها.
إن الدعوة للإسلام دعوة حق وقائلها لا بد أن يتحلى بالصدق والتمسك بقول الحق؛ إذ إن الالتواء والإلواء لا بد أن يفقده صفة الداعية مهما حاول أن يتسربل بها.
صفحه نامشخص