وكان مبارك أول رئيس لجمهورية مصر يدخل في إطار وظيفة الرئيس، فلم يحاول - بحكم تكوينه وطبيعته - أن يكون زعيما، أو محققا لكل شيء ومنجزا وحده للمعجزات، كان على هذا الرئيس أن يبدأ من تحت الصفر ويحاول أن يعيد النظام إلى دولة تخربت، والمشكلة أنه كان يحاول أن يعيد هذا النظام بنفس الجهاز المخرب، فهو لا يستطيع في يوم وليلة أن يجد جهازا آخر، أو حتى أناسا آخرين.
وقد فعل.
ولا أستطيع أن أقول إنه، حتى الآن، قد أصلح تماما من أجهزة الدولة ولا من اقتصادها ولا من مستوى الحياة فيها.
ولكن الذي أستطيع أن أقوله، إنه حتى بهذا الحد من الديمقراطية الذي نحيا في ظله استطاع شعبنا أن «يكبر».
أجل، إن شعبنا أكبر بكثير مما كان عليه عام 1981، قارن بين ما يكتب اليوم - وإن شابه في كثير مما كان يكتب ويعلن في ذلك الحين - وبين ما يكتب اليوم في صحف المعارضة بالذات، قارن بين موقف حزب التجمع الذي لم يملك إلا أن يجسد نشاطه احتجاجا أيامها وبين حزب التجمع الآن وهو يعلنها على الملأ ويحرض الناس على أن يقولوا، لا لمبارك، قارن بين حزب الوفد الذي حل نفسه أيامها وموقف الوفد الآن وهو يجهر بأن الاستفتاءات طريقة غير دستورية للحكم.
قارن بين صحف التحالف الآن وهي ترسل مندوبيها إلى إيران الخوميني ويعودون سالمين ويكتبون دعاية لنظام الخوميني على الملأ وفي صحف تأخذ ورقا مدعوما من قبل الحكومة.
قارن بين ضرب نقابة المحامين ونقيب المحامين وبين صوت النقيب والنقابة الآن، قارن بين إضراب عمال السكك الحديدية وإبراء القضاء لهم وبين الكبت المفروض على كل النقابات والفئات.
قارن بين ما كنا نحن نستطيع كتابته أيامها، وما نكتبه الآن، دون أي تدخل من رئيس التحرير أو الدولة، ودون فصل أو امتهان ودون اتهامات بالرذالة والصفاقة وقلة الأدب.
قارن بين النقد الصريح الواضح الذي تجد كل مصري يقوله بأعلى صوته في الاجتماعات وفي الندوات وفي الصحف إلى درجة تكاد مصر تتحول إلى خمسين مليون ناقد للحكومة، قارن هذا الصمت المخيم أيامها، صمت النرجسية.
ليست هذه كلها من معالم حكم مبارك وطريقته في الحكم، ولكنها وهذا هو الأهم، علامات أن شعبنا قد كبر وأزاح أثقال الحديد الجاثمة فوق ظهره، وبدأ يتكلم ويقول رأيه وبدأ أيضا يتحرك وينتج، ويعتز بإنتاجه وبأنه مصري، بل ويحلم أحيانا بأنه ممكن أن يغير الكثير في واقعه، وأن يصبح أحسن وأحسن.
صفحه نامشخص