نعم، أتمنى مثلما أدى التوازن الذري والنووي إلى إلغاء الحروب الشاملة، أن يحدث نفس الشيء حين يوجد التوازن الحضاري والفكري، بحيث ينتهي جشع كل قومية لاحتلال أرفع مكانة، وكل كتلة لسحق الأخرى والانفراد بالزعامة. أتمنى أن ينتهي الصراع بين الرأسمالية دون حرب بين بعضهم البعض، والصراع بين الاشتراكية دون سفك دماء، وفي النهاية أتمنى زوال الرأسمالية كنظام استغلال دون ثمن باهظ، دون حرب ضحيتها رجال ونساء وشيوخ وأطفال، حياة أي فرد منهما أثمن عندي من أي شعار؛ فالمذاهب لا توجد لتسود بالقتل والمهلكات، وإذا كانت الاشتراكية قد قامت لتمنع استغلال الإنسان للإنسان، أي قامت بسبب نبيل تماما وشريف وإنساني، فلا يمكن ولا يعقل أن يكون الطريق لتحقيقها طريقا تسيل فيه دماء نفس هذا الإنسان التي قامت لتمنع عنه مجرد الاستغلال.
ولكن المؤسف حقا أن الدماء تسيل؛ لأن المستغلين يقاومون زوال الاستغلال بضراوة، المؤسف أنهم يستعملون نفس الذين يسومونهم ويستغلونهم في الدفاع عنهم وعن عالمهم تحت أزهى وأبهى الشعارات.
المؤسف أن الخداع ما دام قائما، وما دام هناك مخدوعون فالصدام حتمي، وأنهار الدماء حتمية، والوحشية في جنسنا حية لا تزال.
ولا سبيل لإنهاء الخداع إلا بتحديد الموقف، ليس فقط على كل دولة أن تحدد موقفها من الصراع في العالم، ولا على كل شعب ولا علينا كهيئات وأحزاب وتنظيمات، إنما حتى على كل منها كشخص.
وذات يوم قالها الفيلسوف: أنا أفكر فأنا موجود، ومنذ قالها تغير العالم، ولم يعد التفكير يحدث لمجرد التفكير، وأنت لا بد أن تفكر اليوم لتتخذ في النهاية موقفا، وعلى ذلك فلتصبح الكلمة: أنا لي موقف فأنا موجود. •••
محال أن يسمح العقل الصحيح لصاحبه أن يكون حيا عائشا في آسيا أو في أفريقيا أو في أمريكا اللاتينية أو أمريكا نفسها وأوروبا، ولا يكون له موقف في هذا الصراع الدموي الدائر أمام عينيه، صراع حتى الموقف السلبي منه لا يجدي؛ فالموقف السلبي يخدم في النهاية الاستعمار والمستغلين.
وبعد جولة في آسيا الرأسمالية وأوروبا ... وقبلها أمريكا ... لم يعد أمامي إلا أن أعلنها صريحة لشعبنا ولكل شريف في هذا العالم.
نعبث نحن إذا راودنا أمل، مجرد أمل، في أي نظام رأسمالي، نعبث نحن إذا راودنا أمل، مجرد أمل، في تناقض يحدث بين الرأسماليين هنا أو هناك؛ فالرأسمالية الآن تعلمت ونضجت وعرفت قبلنا نحن معنى الوحدة وأهمية التماسك والتكاتف، ولا تصدقوا أن تناقضا يقوم بين كروب وجنرال منتورز ولا بين سوني وجروتدنج.
نحن نعيش في ظل رأسمالية شديدة الذكاء والتكييف والخبث، بارعة القدرة في التنكر، قوية غنية، ليس في جعبتها أي خير أو استعداد لنصرتنا.
التليفزيون
صفحه نامشخص