كيف يخدع العميد تلميذه، وقد كان ممكنا أن يعترض ويرفض، إنما الذي طالبه هو تأجيل للغد، وما هو بتأجيل إنما هي وسيلة غير كريمة لتبليغ مباحث أمن الدولة من خلف ظهر الطالب المسكين الذي وثق في عميده، ومشى منذ البداية على خط مستقيم مشروع، وقد كان باستطاعة العميد أن يرفض عرض الصور والمجلة، وهذا هو حقه، رفضا شجاعا مباشرا، أما أن يتظاهر بالموافقة ثم يبلغ مباحث أمن الدولة فهنا نضع أيدينا على بعض العمداء والمديرين الذين تركوا الإشراف العلمي جانبا وأصبحوا ممثلين لأمن الدولة ووزارة الداخلية، ليس بناء على توجيهات وزير التعليم ولا استجابة لأوامر وزارة الداخلية، وإنما هكذا يجندون أنفسهم متطوعين لتلفيق التهم لأولادنا ولفلذة أكبادنا؛ أملا في أن ينالوا الحفاوة، لدى من؟ لست أدري.
وثانيا:
ما هذه العلاقة المريبة بين بعض المسئولين في الجامعات والمعاهد وبين مباحث أمن الدولة عن طريق الحرس الجامعي أو غيره. إن العميد كان يختار في السابق على أساس مقدرته العلمية وبانتخاب أعضاء مجلس الكلية ليزاول وظيفة تعليمية سامية، ألا وهي رياسة معهد أو كلية أو جامعة ... فهل تبدل الحال وأصبحت قدرة العميد تقاس بمقدار ولائه لأمن الدولة ووزارة الداخلية؟
ثالثا:
هذا طالب قارئ قرأ رأيا لكاتب، واتبع كما أراد الكاتب الطريق العلني المشروع، فكانت النتيجة أنه فصل قبل الامتحان بشهر، أنا أعرف والقانون يعرف (قانون الجامعات) أنه لا يمكن فصل طالب إلا بعد تقديمه لمجلس تأديب في معهده أو جامعته ، وإدانة مجلس التأديب له، أما أن يفصل طالب دون محاكمة أو تأديب، وإنما بمجرد الاتصال بمباحث أمن الدولة فهو شيء جديد حقا؛ جديد على التقاليد الجامعية، وجديد على الحكم في مصر. والأهم منه أنه يحدث الآن في عصر نقول فيه كلنا ابتداء من رئيس الجمهورية إلى أصغر محرر في جريدة معارضة إن الديمقراطية هي دعامتنا الأولى لحكم الشعب، وإن وسائل القهر والكبت والحجر على الرأي انتهت من بلادنا تماما وذهبت إلى غير رجعة.
أما إذا كان العميد - المباحث - يرى أن عرض صور للمذابح الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في الأرض المحتلة وإسرائيل هو عمل ضد الحكومة وضد الحكم وجريمة يستحق عليها الطالب الفصل من معهده فإني لأتعجب! فإذا كان الأمر جريمة فأنا الذي كتبت في الأهرام وأنا الذي حرضت على ارتكاب تلك «الجريمة»؛ وبالتالي أنا أول من يستحق العقاب، فلماذا لم يطالب سيادة العميد بفصلي أنا وحرماني من الكتابة، ولماذا لم تفعل مباحث أمن الدولة هذا؟
إنها ليست فقط مهزلة، ولكنها وقد علمت بها من خطاب الطالب المستغيث بي، ومحملني - وعنده تمام الحق - المسئولية عن فصله، لأهيب بالدكتور أحمد فتحي سرور وزير التعليم أن يطلب معاقبتي أنا أولا وعنده مجلس الشورى مالك الصحف بما فيها الأهرام، وعنده رئيسه الدكتور علي لطفي الذي هو في الوقت نفسه رئيس المجلس الأعلى للصحافة الذي يملك حق فصلي؛ فأنا الجاني في الأصل والمحرض، وما الطالب سوى ضحية بريئة لما كتبت، ولأنني لا أعرف بالضبط الجهة التي فصلت الطالب، فإنني أطالب نفس الجهة الغامضة التي تولت هذا العمل المشين أن تفصلني أنا أولا، أم لأنه هو طالب، مجرد طالب، وأنا كاتب، تطبق عليه هو الإجراءات الشاذة، ولا تطبق علي؟
رابعا:
نأتي للموضوع نفسه، هل الاحتجاج بطريقة شرعية قانونية على الاعتداء الوحشي الواقع على إخوتنا وأشقائنا الفلسطينيين جريمة تستحق العقاب؟
إذا كانت بعض الجهات الرسمية لمباحث أمن الدولة أو وزارة التعليم ترى في الأمر جريمة؛ فالحقيقة أن آخر المتهمين فيها هو ذلك الطالب المسكين، وإذا كنت أنا المحرض ، فإن المتهم الأول لا بد أن يكون الرئيس محمد حسني مبارك الذي كان أول من احتج على تلك الأعمال الإجرامية وأول من أدان حكومة الليكود ورئيسها المتعصب إسحق شامير، ويأتي بعد هذا السيد صفوت الشريف وزير الإعلام والمسئول عن الإذاعة وتعليقاتها وعن التليفزيون وصور التوحش اللاإنساني التي نراها في كل نشرة أخبار، ثم كل رؤساء تحرير الصحف القومية وصحف المعارضة تلك التي أدانت جميعها هذا العدوان الصارخ، والتي طالبت الشعب بالاحتجاج على هذا المنكر بأقل أنواع دفع المنكر باللسان والصورة والكلمة.
صفحه نامشخص