مدینه فاضله عبر تاریخ
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
ژانرها
وثانيهما أن تعمد إلى نقل «سلطة المنتصر» من يد الملك إلى أيدي أناس آخرين، مع الاحتفاظ بالقوانين القديمة على ما هي عليه، وعندئذ ستحمل حكمتك وشرفك للأبد وزرا ثقيلا، وفي هذه الحالة إما أن تفقد نفسك، وإما أن تضع للأجيال القادمة أسس عبودة أفظع من كل ما عرفت.
كان ونستنلي مفكرا اجتماعيا جادا، وقد منعته حدة وعيه من أن يتصور أن عمل رجل واحد يمكن أن يغير المجتمع. وقد تحقق من أن الثورة التي تأتي من القمة ستكون ثورة عقيمة إذا ظلت نظرة الإنسان العقلية والأخلاقية على ما هي عليه. ولكنه كان مقتنعا اقتناعا تاما بأنه إذا نفذ المسيح أو «انتشر النور» في عقول الناس فسوف يتوقفون عن الرياء والظلم، وسوف يظهر للوجود مجتمع جديد. لقد شغف، كما يقول بريلزفورد «باقتباس نبوءات الكتاب المقدس التي تؤكد أن النصر «للمحتقرين المهانين في الأرض»، وتدعو الأغنياء إلى البكاء والعويل، وهو يتنبأ بأن تتم هذه الثورة قبل أن تمر عجلات سنوات عديدة ... وكان يتوقع أن تتحقق الثورة التي أرادها من خلال التغيير الذي ستحدثه «روح العقل في قلوب البشر».»
وقد رفض ونستنلي، على الرغم من كل اقتباساته من الكتاب المقدس ومن اللغة التوراتية التي يستخدمها، جميع الأسس التي يستند إليها التشدد الديني، فهو لا يؤمن بوجود إله شخصي، ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يوحد بين الله والعقل. وقد قرر ذات مرة أن يستخدم كلمة العقل بدلا من كلمة الله في كتاباته (ثم تراجع عن هذا القرار). كما سبق (المعاصرين) بفكرته عن «المسيح الاشتراكي» عندما أعلن أنه (أي المسيح) كان «المدافع الصادق المخلص عن المساواة»، ولكنه لم يقصد بذلك شخصيته التاريخية بل «قوة النور المنتشرة منه». وأدان ونستنلي أيضا الاعتقاد بالمعجزات، والجنة والنار، كما تشكك في البعث الجسدي بعد الموت، وأنكر مذهب الخطيئة الأولى. فالإنسان في رأيه قد ولد خيرا وحرا، و«روح النور الكامنة فيه تعشق الحرية وتمقت العبودية»، ولكن النظام الاجتماعي القائم على الفساد والبؤس هو الذي أفسد طبيعته.
ألغى توماس مور، ومعظم كتاب اليوتوبيا من بعده، الملكية الخاصة خشية تأثيرها المفسد وخطرها المدمر على وحدة الدولة. وقد ألغى ونستنلي أيضا الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، ولكن على أساس أن «الحرية الحقيقية» لن يكون لها وجود ما دام الناس لا يتمتعون بالحرية الاقتصادية، كما أعلن، واضعا نصب عينيه أن الأرض هي المصدر الرئيسي للثروة: «إن الحرية الحقيقية لمجتمع الكومنولث تكمن في الاستمتاع الحر بالأرض، وإن الأفضل للإنسان ألا يكون له جسد على الإطلاق من ألا يكون لديه الطعام الذي يحتاج إليه (جسده). ومن ثم كان احتكار الإخوة للأرض من دون إخوتهم هو الاضطهاد والعبودية ، وكان التمتع بثمار هذه الأرض هو الحرية الحقيقية.» ومن حرية التمتع بثمار الأرض تستمد كذلك حرية العقل، لأنني واثق - كما يقول بنفسه - من أن «البحث الصحيح في ألوان العبودية الكامنة في العقل - كالرياء، والغرور، والنفاق، والحسد، والخوف، واليأس، والجنون - إنما يؤكد أنها جميعا تنجم عن العبودية الخارجية التي تفرضها فئة من الناس على فئة أخرى.» وقبل الشروع في تعريف حكومة الكومنولث الحقيقي، نجد ونستنلي يدين الحكومة الملكية المرتكزة على الملكية، معبرا بذلك عن إيمانه بأن «الملكية هي السرقة».
إن الحكومة الملكية تسيطر على الأرض بأفانين الاحتيال في البيع والشراء، وبذلك تمثل رجل المتاعب والمنازعات الذي تكون يده ضد كل رجل، ويد كل رجل ضده. ولو نظرت إلى هذه الحكومة في أفضل أحوالها لوجدت أنها حكومة مريضة تشبه مدينة بابل إلى حد بعيد، فهي تضج بالفوضى والاضطراب، لأنها تعبر عن إرادة الجشع والغرور لدى المنتصر الذي يستعبد الشعب المهزوم.
هذه الحكومة الملكية هي التي تحول المناجل والمحاريث إلى رماح وبنادق وسيوف وأدوات للحرب، وذلك لكي يتسنى له (أي لملك هذه الحكومة) أن يأخذ حق أخيه الأصغر الذي وهبه إياه الخالق بالميلاد، ويزعم أن الأرض له وليست لأخيه، إلا إذا استأجر أخوه الأرض منه، وفي هذه الحالة يعيش متعطلا على هواه من جهد أخيه.
وهذه الحكومة يمكن أن تسمى بحق حكومة قطاع الطرق الذين سرقوا الأرض بالقوة من الإخوة الأصغر، ومنعوها عنهم كذلك بالقوة. وهي حكومة تريق الدماء، لا لتحرر الشعب من الظلم، بل لتملك وتحكم شعبا مضطهدا مظلوما ...
ولكن حكومة الكومنولث تحكم الأرض دون شراء وبيع، وبذلك تصبح رجل سلام، وتعيد السلام والحرية القديمين. وهي تمد المقهورين والضعفاء والبسطاء بحاجتهم من مواد الغذاء، كما تمد الأغنياء والحكماء والأقوياء سواء بسواء. وهي تحول السيوف والرماح إلى مناجل ومحاريث، وتجعل الإخوة الكبار والصغار رجالا أحرارا في الأرض.
3
وسوف تختفي كل أشكال العبودية والقهر التي فرضها على البشرية الملوك، والإقطاعيون والمحامون، وملاك الأراضي ورجال الدين، ستختفي كلها بفضل هذه الحكومة، إذا راعت الحق والاستقامة في قوتها وفي اسمها جميعا.
صفحه نامشخص