مدینه فاضله عبر تاریخ
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
ژانرها
ويؤدي البحث العلمي والمناقشة دورا مهما: «وفي الأيام التي لا يذهبون فيها إلى «الهاب» يلزمون بالبقاء في «الهيب» (بيت التعليم)، ليبحثوا في العلوم التي يعكفون عليها بنظام ومنهج شديد الوضوح والاتساق. ويعرض كل واحد منهم جميع الصعوبات التي تواجهه مؤكدا أقواله بحجج قوية، ثم يجيبون على كل الاعتراضات التي تثار ضدهم. وعندما تنتهي المناقشة يدونون أي اقتراح مهم في الكتاب العام، ويقوم كل فرد منهم بتسجيله بعناية في دفتر خاص. وإذا اكتشف أي واحد منهم أي شيء لا يستريح إليه، أو أي شيء يحس أنه يمكن أن ينفع بلده، فإنه يعرضه على الإخوة الذين يتخذون القرارات المعقولة في هذا الشأن، ودون أن يكون لهم هدف سوى المصلحة العامة.
والجزء الثالث من يومهم موزع بين ثلاثة أنواع من التمرينات المسلية، فالأول مخصص لإنتاج ما تم اختراعه حديثا، أو تكرار التجارب التي سبق أن أجروها، ونادرا ما يمر يوم واحد بغير أن يقدموا اقتراحا باختراع جديد، فيهتموا دائما بتسجيل اسم المخترع في سجل عام للطرائف والاكتشافات العجيبة، يعتبرون أنه حقق لهم أعظم الأمجاد. وقد لاحظت خلال اثنين وثلاثين عاما ما يزيد على خمسة آلاف اختراع جديد تم تسجيله، وهو شيء يمكن أن يعتبر عندنا من قبيل المعجزات.
ويكرس التمرين الثاني لمعالجة نوعين من السلاح، يشبه الأول منهما الرماح شبها كبيرا، والآخر يشبه أنابيب الأرغن، ويتكون من عشرة أنابيب أو اثني عشر، مجهزة بثقوب من أحد طرفيها تسمح للرصاص أن ينطلق منها بقوة شديدة، بحيث يخترق أجساد ستة رجال.»
ويضم جزء مهم من الكتاب المحاورات التي دارت بين جيمس سادير والعجوز الذي أخذه في حمايته وأطلعه على الأفكار والأساليب الفلسفية للأستراليين. والاستماع لما يقوله هذا العجوز يترك في النفس انطباعا بأنه يسمع بعض الموسوعيين، بل إن بعض الفقرات تذكرنا ببيان دعاة المساواة.
وبعد أن يقول جيمس سادير إنه «لا يوجد في العالم مثل هذا الاهتمام بالمساواة في تعليم الناس»، يلاحظ العجوز:
لقد تسبب عدم الانتظام هذا في ألوان مختلفة من الاضطراب والنزاع والكراهية والشكوى، لأن كل من كان يحس بأنه أقل حظا من غيره في المعرفة (التي يتفوق بها غيره عليه) كان يتصور نفسه أتعس الجميع، مع أن الكل قد ولدوا متساوين. أما نحن فنؤمن بأننا جميعا متساوون، ومجدنا يكمن في كوننا متكافئين وجديرين بنفس الرعاية وبنفس الأسلوب. وإذا كان هناك فرق بيننا، فهو يظهر في بعض التدريبات المتنوعة التي نشغل بها أنفسنا، وذلك لكي نتوصل لاختراعات جديدة يمكن أن يهبها المخترعون للمصلحة العامة.
ثم حدثني بعد هذا عن بعض عادات الأوروبيين التي وصفها بأنها سطحية ولا ضرورة لها. وأكدت له أنهم يشعرون بفزع شديد عند رؤية شخص عار، وهو نفس الفزع الذي يصيب الأستراليين عند رؤية الأوروبيين مرتدين ملابسهم، وزعمت أن لهذا مبررات مثل العفة، وقسوة الجو في بعض فصول السنة، والتعود.
وقد أجابني، كما أذكر، بقوله إن العادات تسيطر على عقولكم حتى ليعتقد المرء أن كل شيء تمارسونه منذ مولدكم هو شيء ضروري ولا غنى عنه، وأنكم لا تستطيعون أن تغيروا أي عادة من عاداتكم بغير لجوء إلى العنف الشديد، وكأنكم تغيرون طبيعتكم. وأجبت مؤكدا إصراري على أن السبب يرجع إلى اختلاف المناخ، وقلت له إن هناك بعض البلاد الأوروبية التي تصل فيها البرودة حدا لا يتحمله الجسد الذي هو أرق وأضعف من أجساد الأستراليين، وأن البعض يموت بسبب هذا الجو، ومن المستحيل أن يعيشوا دون ملابس، وأخبرته باختصار أن ضعف طبيعة كلا الجنسيين يصل إلى حد أن الواحد (من الأوروبيين) لا يرى إنسانا عاريا إلا ويحمر وجهه خجلا، ويشعر بالخزي حتى ولو لم يكن شديد الحساسية لهذه المشاعر، ولكن التعفف أجبرني على التغاضي في صمت عن الخوض في هذا الموضوع.
قال لي: أهناك أي اتساق فيما قلت، ومن أين جاءتكم هذه المادة ؟ أليس معنى هذا أن تفرضوا على الناس شيئا مخالفا للطبيعة؟ لقد ولدنا عراة، ولو غطيت أجسادنا فسوف نشعر حتما بأن من العار علينا أن يرانا أحد على هذه الحال، أما ما تقوله عن قسوة الجو فلا يمكنني، بل لا ينبغي لي، أن أوافقك عليه، لأنه إذا كان هذا البلد أو ذاك لا يطاق، فما الذي يجبر الإنسان العاقل على أن يعتبره بلده؟ ... وأما عن الضعف الذي تسميه تواضعا أو تعففا، فليس لدي ما أقوله عنه، ما دمت قد اعترفت بصدق شديد بأنه خطأ. إنه حقا لضعف شديد، ولن يسمح بأن ننظر إلى بعضنا بغير استياء من تلك المشاعر الوحشية التي تتحدث عنها. فالحيوانات يرى بعضها بعضا باستمرار، ولكن هذه الرؤية لن تحدث أي تغير فيها، فكيف بلغ بكم الأمر، أنتم يا من تؤمنون بأنكم أسمى شأنا منهم، أن تكونوا أضعف منهم؟
لم يضف بعد ذلك شيئا إلى هذه المسألة، ودون أن يعطيني فرصة للإجابة، انتقل إلى موضوع الجشع.
صفحه نامشخص