مدینه فاضله عبر تاریخ
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
ژانرها
عرضا تاريخيا لمجتمعات مبكرة وأساطير عن العصر الذهبي، كما يقدم زينون دراسة للحكومات وتخطيطا عاما لجمهورية مثالية. وعند سترابون (من 64ق.م.-20م) وبلوتارك (من 46-119م) وصف شديد الدقة للمجتمع القديم في كريت وأسبرطة.
وأقرب الأعمال التي ذكرناها من تعريف الدول المثالية وأعظمها في الوقت نفسه تأثيرا في اليوتوبيات اللاحقة المدينة لها، هي «جمهورية» أفلاطون و«حياة ليكورجوس» لبلوتارك؛ وكلاهما يمثل الاتجاهات التسلطية والشيوعية في الفكر اليوناني، ولكن تأثيرهما في المفكرين المتأخرين قد خففت منه في الغالب أفكار أرسطو الإصلاحية و«البرجوازية الصغيرة»، أو مثل زينون المتحررة والعالمية. ولو كان هدفنا هو تتبع تأثير بلاد الإغريق في الفكر اليوتوبي، بدلا من الاكتفاء بتقديم المخططات العامة للمجتمعات المثالية، لوجب علينا تناول أعمالهما هنا بالدراسة. وربما يبدو من التعسف اختيار جمهورية أفلاطون وترك محاورات أخرى مثل طيماوس وكريتياس والقوانين، ولكن إنتاج أفلاطون، كما لاحظ ألكسندر جراي، يعادل في ضخامته إنتاج شكسبير، ولا مفر من أن تتطلب الحدود التي يفرضها علينا المسح المختصر لتاريخ اليوتوبيا شيئا من التعسف. (1) أفلاطون: «الجمهورية»
كانت الفترة التي كتب فيها أفلاطون «الجمهورية» فترة تدهور في التاريخ اليوناني. فقد انتهت الحرب البلوبونيزية (431-404ق.م. وهي الحرب الأهلية بين أثينا وأسبرطة في المورة.) بالهزيمة الساحقة لأثينا، وضعفت المدن المستقلة التي شاركت فيها بتأثير الصراع الطويل والمنازعات الداخلية. وقد أدى بها التفكك إلى أن تصبح عرضة للغزو الأجنبي، وسمح لدولة أسبرطة العسكرية والتسلطية أن تنتصر عليها. وقد كان أفلاطون في الثالثة والعشرين من عمره عندما وضعت الحرب أوزارها، تاركة أثينا في حالة من الإنهاك السياسي والاقتصادي. ولهذا كان من الطبيعي أن تهتم كتاباته اهتماما شديدا بالقضايا السياسية والاجتماعية، وأن يحاول استخلاص بعض الدروس المستفادة من هزيمة أثينا وانتصار أسبرطة.
ومن المعروف أن عقل المهزوم غالبا يكون مفتونا بقوة الغزاة الفاتحين، فعندما شرع أفلاطون في بناء مدينته المثالية اتجه إلى أسبرطة واتخذها نموذجا له. وهو بالطبع لم يقلد هذا النموذج تقليد العبيد، ولكن جمهوريته أشبه بالتنظيم التسلطي لأسبرطة منها بالتنظيمات الحرة التي تمتعت بها المدن اليونانية الأخرى في غضون القرون السابقة. وقد وضع أفلاطون في مقابل روح الاستقلال والنزعة الفردية المتطرفة التي تميزت بها الحياة اليونانية، وضع تصوره عن دولة قوية متجانسة وقائمة على مبادئ تسلطية.
وكان السوفسطائيون، الذين وجه لهم أفلاطون هجومه المتواصل والمرير، قد بحثوا عن حل لمواجهة تفكك الحياة اليونانية بطريقة مخالفة لطريقة أفلاطون. وكان العلاج الذي اقترحوه هو المزيد من الحرية لا التقليل منها. فقد رجعوا إلى الإيمان التقليدي بعصر ذهبي عاش فيه البشر في حالة من الحرية التامة والمساواة، وقدموا نظريتهم التي تقول بأن البشر فقدوا تلك الحرية والسعادة، التي هي «حقهم الطبيعي» مع ميلاد التنظيمات السياسية. وقد وصف رودلف روكر
Rudolf Rocker
في كتابه «النزعة القومية والحضارة» هذا المفهوم الاجتماعي بقوله:
كان أعضاء المدرسة السوفسطائية بوجه خاص، هم الذين اعتادوا في نقدهم للشرور الاجتماعية أن يشيروا لحالة طبيعية ماضية، لم يكن الإنسان فيها قد عرف عواقب الظلم الاجتماعي بعد. وهكذا أعلن هيبياس الإليسي
2
أن «القانون قد أصبح طاغية يتحكم في الإنسان، ويحرضه بشكل مستمر على إتيان أفعال غير طبيعية.» وعلى أساس هذا المذهب دعا ألكيداماس وليكوفرون (شاعر وعالم سكندري عاش في منتصف القرن الثالث ق.م.) وغيرهما لإلغاء الامتيازات الاجتماعية، وأدانوا نظام الرق بصفة خاصة باعتبار أنه مناف لطبيعة الإنسان، وأنه نشأ عن تشريعات البشر الذين جعلوا من الظلم فضيلة. ومن أعظم مآثر المدرسة السوفسطائية المفترى عليها أن أعضاءها تخطوا كل الحدود القومية بشكل واع مع المجتمع الكبير للجنس البشري. لقد شعروا بقصور المثل الأعلى الوطني وضيق أفقه الروحي، وعرفوا مع أرستيبوس
صفحه نامشخص