جعله الله يتلون في ذلك بألوان، ويتفنن فيه على أفنان، فهو الهادي المضل، وهو المدبر المقبل، وهو المسمع المصم، وهو المهين المكرم، وهو المعطي المانع، وهو القريب الشاسع، وهو السر المكتوم، وهو العلانية المعلوم، فمرة يهدي إليه من اصطفاه، ومرة يضل من أبى قبول هداه، ومرة يقبل على من أقبل إليه، ومرة يدبر عن من التوى في الهدى عليه، ومرة يسمع من استمع منه، ومرة يصم من أعرض عنه، ومرة يهين الأعداء، ومرة يكرم الأولياء، يعطي من قبل عطاه، ويمنع من أبى قبول هداه، يقرب لمن ارتضاه، ويشسع عمن سخط قضاه، يعلن لأوليائه ويظهر، ويكتتم عن أعدائه ويستر، نور هدى على نور، وفرقان بين البر والفجور، أرشد زاجر وآمر، وأعدل مقسط ومعذر، يوقظ بزجره النوماء، ويعظ بأمره الحكماء، ويحيي بروحه الموتى، ولا يزيد من مات عنه إلا موتا، يعدل أبدا ولا يجور، وكل أمره فقدر مقدور، ظاهره ضياء وبهجة، وباطنه غور ولجة، لا يملك حسن أنواره، ولا يدرك باطن أغواره، فمن ظهر لظاهر مناظره، رأى أعاجيبه في موارده ومصادره، ومن بطن لمستبطنه، رأى مكنون محاسنه، من غرائب علمه، وأطايب حكمه، لباب كل لباب، وفصل كل خطاب، وحكمه من حكم رب الأرباب، اكتفى به منه في هداه لأوليائه، واصطفى به من خصه الله سبحانه باصطفائه، فمصابيح الهدى به، تزهر واهجة، وسبل التقوى به إلى الله تلوح ناهجة، يحتاج إليه ولا يحتاج، سراجه أبدا بنوره وهاج، يعلم ولا يعلم، ويقوم ولا يقوم، فهو المهيمن الأمين، والفاصل المبين، والكتاب الكريم، والذكر الحكيم، والرضى المقنع، والمنادي المسمع، والضياء الأضوى، والحبل الأقوى، والطود الأعلى، الذي يعلو فلا يعلى، ولا يؤتى لسورة من سوره أبدا بمثل ولا نظير، ولا يوجد فيه اختلاف في خبر ولا حكم ولا تقدير، فصل كل خطاب، وأصل كل صواب.
صفحه ۲۹