قال الإمام الراغب(1) في ((الذريعة)): التكسب في الدنيا وإن كان معدودا من المباحات من وجه، فإنه من الواجبات من وجه، وذلك أنه إذا لم يكن للإنسان الاستقلال بالعبادة إلا بإزالة ضروريات حياته فإزالتها واجبة؛ لأن كل ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كوجوبه، فإذا لم يكن له إلى إزالة ضرورياته سبيل إلا بأخذ تعب من الناس، فلا بد أن يعوضهم تعبا له، وإلا كان ظالما فمن توسع في تناول(2) عمل غيره في مأكله، وملبسه، ومسكنه، وغير ذلك، فلا بد أن يعمل لهم عملا بقدر ما يتناوله منهم، وإلا كان ظالما لهم، قصدوا إفادته، أو لم يقصدوا.
ومن أخذ منهم المنافع ولم يعطهم نفعا، فإنه لم يأتمر لله تعالى في قوله عز وجل: {تعاونوا على البر والتقوى}، ولم يدخل في عموم قوله تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}، ولهذا ذم من يدعي التصوف، فيتعطل عن المكاسب، ولا يكون له علم يؤخذ منه، ولا عمل صالح في الدين يقتدى به، بل يجعل همه عادية(3) بطنه وفرجه، فإنه يأخذ منافع الناس، ويضيق عليهم معاشهم، ولا يرد إليهم نفعا، فلا طائل في أمثالهم إلا أن يكدروا الماء، ويغلوا الأسعار. انتهى.
صفحه ۷