وهذا الزهو يحدثنا بأفصح بيان عن اطمئنان الكميت إلى قوة هذه القصائد الطوال، وهو يضع نفسه في منزلة زهير وامرئ القيس والحطيئة، في أيام كان فيها أولئك الشعراء من السباقين الذين لا يشق لهم غبار. (4)
ولا مندوحة لنا من الإشارة إلى ما في تلك القصائد من بعض السمات الجاهلية، فوصف الناقة له في تلك المطولات مكان، وكان وصف الناقة من البدع الشعرية التي أذاعها الجاهليون وتابعهم فيها فريق من الشعراء الإسلاميين، وهي بدعة كان يوحيها ظرف الزمان والمعاش، ولكنها تحولت إلى موضوع فني يتسابق إلى التجويد فيه كبار الشعراء بسبب ما في النوق من الجمال. (5)
ومن مظاهر التجديد في الفن الشعري عند الكميت هو زهده في بكاء الأطلال والرسوم، وقصر هواه على الحنين إلى أهل البيت، وسينتهب أبو نواس هذه اللفتة، وسيقول الناس - وقد قالوا - إن أبا نواس هو أول من زهد في بكاء الرسوم والأطلال، فلنعلم الآن أن الكميت هو صاحب هذه البدعة الشعرية، والفرق بين الرجلين: أن الكميت ينصرف عن بكاء الدمن الدوارس ليمدح أهل البيت، رهط الرسول، أما أبو نواس فينصرف عن وصف الديار الخالية ليقف همه على وصف الخمر ومجالس الشراب. (6)
والكميت لا يمدح أهل البيت لذواتهم، وإنما يعلل مدحه إياهم بقرابتهم من الرسول، كقوله في البائية الكبرى:
إلى النفر البيض الذين بحبهم
إلى الله فيما نالني أتقرب
بني هاشم رهط النبي فإنني
بهم ولهم أرضى مرارا وأغضب
وقوله في الميمية:
أسرة الصادق الحديث أبي القا
صفحه نامشخص