معقول و نامعقول در میراث فکری ما

زكي نجيب محمود d. 1414 AH
110

معقول و نامعقول در میراث فکری ما

المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري

ژانرها

كتب الغزالي كتابه «تهافت الفلاسفة»، وذكر في مقدمته أنه إنما يقتصر على إظهار التناقض في رأي مقدمهم، الذي هو الفيلسوف المطلق والمعلم الأول، وهو «رسطاليس» (هكذا ورد اسمه)، على أنه سيقتصر في مترجمي أرسطو إلى العربية (لاحظ أن الغزالي يعد ما كتبه الفلاسفة العرب «ترجمة» لفلسفة أرسطو إلى العربية) على الفارابي وابن سينا: «فنقتصر على إبطال ما اختاراه ورأياه الصحيح من مذهب رؤسائهما في الضلال.» وبشيء قليل من تجاوز المنطق الصارم، أراني أميل إلى القول بأن الغزالي حين نصب نفسه للهجوم على الفلسفة الأرسطية، كما رآها فيما كتبه الفارابي وابن سينا، كان في حقيقة أمره قد نصب نفسه لمهاجمة «العقل» إذا ما مس هذا العقل قضية إيمانية في مجال الدين. ولم يكن هذا هو منهجه العلمي الذي أوصى باصطناعه عند النظر.

يقول الغزالي في «المقدمة الثانية» لكتابه «تهافت الفلاسفة» إن الخلاف بين الفلاسفة يقع في ثلاثة أقسام، لا يهمه هو منها إلا قسم واحد:

فأولا:

قد يختلف الفلاسفة على لفظ مجرد وطريقة استعماله، كاختلافهم على الاسم «جوهر» حين يشيرون به إلى الله؛ فيقول بعضهم عن «الجوهر» إنه «الموجود لا في موضوع»؛ أي إنه هو القائم بنفسه الذي لا يحتاج إلى مقوم يستند إليه، ويرد عليهم آخرون بقولهم إن الجوهر إنما يتحيز في مكانه. وهنا يعلق الغزالي بقوله: إننا إذا اتفقنا على معنى اللفظ بأنه هو قيام الموجود بنفسه دون حاجة منه إلى سواه، فماذا يهم إذا أطلقنا على مثل هذا الموجود اسم «جوهر» أو لم نطلقه؟ إن هذا إنما يكون من قبيل البحث اللغوي الذي لا ضير علينا منه.

وثانيا:

قد يختلف الفلاسفة على أفكار ليست مما يصدم أصلا من أصول الدين: «ومن طن أن المناظرة في إبطال هذا من الدين، فقد جنى على الدين ... فإن هذه الأمور تقوم عليها براهين هندسية حسابية لا يبقى معها ريبة، فمن يطلع عليها ويتحقق أدلتها ... إذا قيل له: إن هذا خلاف الشرع، لم يسترب فيه، وإنما يستريب في الشرع ...» «وأعظم ما يفرح به الملاحدة أن يصرح ناصر الشرع بأن [ما قد ثبت بالبراهين العقلية] على خلاف الشرع، فيسهل عليهم طريق إبطال الشرع إن كان شرطه أمثال ذلك.»

وثالثا:

قد يجيء الاختلاف بين الفلاسفة حول أمر يتعلق بأصل من أصول الدين، كالقول في حدوث العالم، وصفات الصانع، وبيان حشر الأجساد والأبدان ... إلخ.

هذا القسم الثالث من اختلافات الفلاسفة هو ما يهتم به الغزالي، لماذا؟ لأنه يخشى أن يؤدي النظر العقلي إلى نتيجة تصدم أصلا من أصول الدين، وهو موقف لا يكون إلا من رجل لا يريد لحكم العقل أن يكون مطلقا؛ فيحدد له ما يجوز له أن يتناوله وما لا يجوز، ولو كان الغزالي عقلانيا صرفا، لما وجد فرقا عند العقل بين أن يكون الموضوع المطروح للنظر من القسم الأول أو من الثاني أو من الثالث، وأعني الأقسام التي ذكرناها عنه منذ قليل؛ لأن الأمر عندئذ يصبح مرهونا بمنهاج السير وحده، بغض النظر عن مادة الموضوع.

في هذا الكتاب الهام، الذي يحدد معلما بارزا من معالم الطريق في تراثنا الثقافي كله، يطرح الغزالي عشرين مسألة يراها مواضع مؤاخذة للفلاسفة اليونان وأتباعهم من العرب، من أهمها تفنيده لقول الفلاسفة في أزلية العالم وأبديته، وقولهم بأن الموجود الأول يعلم الكليات ولا يعلم الجزئيات، وقولهم باستحالة خرق العادات، وغير ذلك من مسائل تتصل بالله من حيث هو واحد وخالق ... إلخ، لكننا نود أن نقف وقفة قصيرة عند المسألة السابعة عشرة بصفة خاصة؛ لشيوع ذكرها على أقلام الباحثين، وهي المسألة التي ذكرناها لتونا، والخاصة باستحالة خرق العادات أو عدم استحالة ذلك، أو بتسمية أخرى قد تكون أكثر إلفا للقارئ، هي المسألة الخاصة بفكرة السببية.

صفحه نامشخص