ثم إن فردينان رأى أن يضرب المسلمين بعضهم ببعض؛ فيستفيد من شقاقهم وتحاربهم، فبعث إلى السلطان أبي عبد الله - وهو أسير عنده - فاستقدمه وخلع عليه، ووعده بأن يساعده على خلع عمه، ويعيده إلى عرشه، ثم أطلق سراحه وأمده بالعساكر والمال؛ فثار يطلب الملك.
وجاء بلش فأطاعه أهلها، ونادى الخبر إلى غرناطة فمال إلى مبايعته أهل البيازين (ALbaycin)
وهو حي من أقدم أحياء غرناطة، قائم في أعاليها على تل منحدر يشرف على المدينة، بينه وبين التل الذي عليه قصر الحمراء فرجة صخرية.
وفي البيازين قلعة حصينة تعرف بالقصبة القديمة، وكان أهل هذا الحي على جانب من الجهل - كما يصفهم صاحب نفح الطيب - فقاموا بدعوة أبي عبد الله، وتبعهم بعض أهل غرناطة، وهم يرجون الصلح مع المسيحيين على يد السلطان الأسير لما رأوا من عطف القشتاليين عليه؛ فوقعت الفتنة بين المسلمين ورجمت البيازين بالحجارة من القلعة.
ثم جاء السلطان أبو عبد الله إلى لوشة، فظنوا أنه أتى لمصالحة عمه الزغل، وإذا صاحب قشتالة وأرغون يدهم لوشة بجيش عظيم فيحاصرها، فخف أهل البيازين إلى نصرة السلطان أبي عبد الله، ولكنهم ما لبثوا أن تبين لهم أن السلطان كان على اتفاق مع الملك الإسباني، ففتحت لوشة أبوابها لفردينان 891ه وهاجر أكثر أهلها إلى غرناطة.
أما أبو عبد الله فبقي مع الإسبانيين، فأثبت بذلك شائعة مواطأته لهم، وحقيقة الأمر أنه ما حالفهم إلا لاعتقاده أنهم سيكونون أنصاره على عمه فيستعيد منه العرش، وأن المسلمين يأمنون اعتداءهم في ظل ملكه لارتباطه بالصداقة معهم، خصوصا بعدما وعده فردينان بأن من يدخل في حكمه فهو في أمان تام.
وعلى ذلك نشط إلى بلش يدعو الناس لموالاته ويمنيهم بصلح صحيح، فأقبل عليه جمع غفير ممن رغبوا في السلامة وكره القتال، وجاءه في الجملة أهل البيازين يدعونه إلى حيهم، متجندين لنصرته والدفاع عنه، فانتقل إليهم على حين غفلة، ونزل في القلعة فانقسمت غرناطة قسمين: حزبا معه وحزبا، مع عمه نزيل الحمراء.
ولم يغفل ملكا قشتالة وأرغون عن إمداده بالجند والمال والقمح والبارود، فشبت في غرناطة ثورة أهلية كثر فيها النهب والتقتيل.
وفيما كان السلطان الزغل يدعو الأجناد والقواد من أهل بسطة ووادي آش وألمرية والمنكب لمساعدته وطرد أبي عبد الله من البيازين، بلغه أن الإسبانيين زحفوا إلى مالقة بجيش عظيم، ونزلوا على بلش يحاصرونها في آذار 1457م/ربيع الآخر 892ه؛ فخف إلى نجدتها بما اجتمع لديه من وفود وادي آش وجبال البشرات، فرأى العدو يواثبها برا وبحرا، وقد أخذ بخناقها من جميع الجهات.
فوطن النية على منازلته مهما كلف الأمر، وإذا نبأ يأتيه من غرناطة بأن العاصمة بايعت ابن أخيه أبا عبد الله، وأن هذا الأمير استولى على قصر الحمراء؛ فانكسرت عزيمته، وانهزم بجيشه قبل أن يلتحم مع الإسبانيين، وسار إلى وادي آش فنزلها وتحصن بها.
صفحه نامشخص