كصاحب شرطة وَالْعَبْد الجالب لِلْمِيرَةِ كَذَّاب مكار مخادع خَبِيث يتَمَثَّل بِصُورَة الناصح وَتَحْت نصحه الشَّرّ الهائل والسم الْقَاتِل وديدنه وعادته مُنَازعَة الْوَزير الناصح فِي كل تَدْبِير يدبره حَتَّى لَا يَخْلُو من منازعته ومعارضته فِي آرائه سَاعَة فَكَمَا أَن الْوَالِي فِي مَمْلَكَته مَتى اسْتَشَارَ فِي تدبيراته لوزيره معرضًا عَن اشارة العَبْد الْخَبيث بل يسْتَدلّ باشاراته على أَن الصَّوَاب فِي نقيض رَأْيه وادب صَاحب شرطته وأسلسه لوزيره وَجعله مؤتمرا لَهُ مسلطا من جِهَته على هَذَا العَبْد الْخَبيث وَأَتْبَاعه وأنصاره حَتَّى يكون العَبْد مسوسا لَا سايسا ومأمورا مُدبرا لَا آمرا مُدبرا استقام أَمر بَلَده وانتظم الْعدْل بِسَبَبِهِ فَكَذَلِك النَّفس مَتى استعانت بِالْعقلِ وأدبت الْقُوَّة الغضبية وسلطتها على الشَّهْوَة واستعانت باحديهما على الاخرى فَتَارَة بِأَن تقلل من تيه الْغَضَب وغلوائه بخلابة الشَّهْوَة واستدراجها وَتارَة بقمع الشَّهْوَة وبقهرها بتسليط الْقُوَّة الغضبية عَلَيْهَا وتقبيح مقتضياتها اعتدلت قواه وَحسنت أخلاقه وَمن عدل عَن هَذَا الطَّرِيق كَانَ كمن قَالَ الله سُبْحَانَهُ فِيهِ ﴿أَفَرَأَيْت من اتخذ إلهه هَوَاهُ وأضله الله على علم﴾ وَقَالَ تَعَالَى ﴿وَاتبع هَوَاهُ فَمثله كَمثل الْكَلْب إِن تحمل عَلَيْهِ يَلْهَث أَو تتركه يَلْهَث﴾ وَقد ذكرنَا كَيْفيَّة تَهْذِيب هَذِه الْجنُود فِي الْفَصْل الْمُتَقَدّم
الْمِثَال الثَّانِي ان الْبدن كالمدينة وَالْعقل اعني الْقُوَّة المدركة كملك مُدبر لَهَا وَقواهُ المدركة من الْحَواس الظَّاهِرَة والمشاعر الْبَاطِنَة كجنوده وأعوانه وأعضاؤه كرعية وَالنَّفس الأمارة بالسوء الَّتِي هِيَ الشَّهْوَة وَالْغَضَب كعدو ينازعه فِي مَمْلَكَته وَيسْعَى فِي إهلاك رَعيته فَصَارَ بدنه كرباط وثغر وَنَفسه كمقيم فِيهِ مرابط فان جَاهد عدوه فَهَزَمَهُ وقهره على مَا يجب حمد أَثَره إِذا عَاد إِلَى الحضرة كَمَا قَالَ تَعَالَى ﴿فضل الله الْمُجَاهدين بِأَمْوَالِهِمْ وأنفسهم على القاعدين دَرَجَة﴾ وَإِن ضيع ثغره وأهمل رَعيته ذمّ أَثَره وانتقم مِنْهُ عِنْد لِقَاء الله تَعَالَى فَيُقَال لَهُ يَوْم الْقِيَامَة يَا راعي السوء أكلت اللَّحْم وشربت اللَّبن
1 / 98