الْجَهْل بالجهة الَّتِي فِيهَا الصُّورَة الْمَطْلُوبَة حَتَّى يتَعَذَّر بِسَبَبِهِ أَن يُحَاذِي بهَا شطر الصُّورَة وجهتها فَكَذَلِك الْقلب مرْآة مستعدة لِأَن يتجلى فِيهِ حَقِيقَة الْأُمُور كلهَا وانما خلت الْقُلُوب عَنْهَا لهَذِهِ الْأَسْبَاب الْخَمْسَة
أَولهَا نُقْصَان فِي ذَاته كقلب الصَّبِي فانه لَا يتجلى فِيهِ حقائق المعلومات لنقصانه أَو كروح نَاقص فِي أصل الْفطْرَة فان النُّفُوس وان كَانَت نوعا وَاحِدًا وَلَكِن فِي هَذَا النَّوْع تفَاوت عَظِيم وَعرض وَاسع
وَالثَّانِي لكدورة الْمعاصِي والخبث الَّذِي تراكم على وَجه الْقلب من كَثْرَة الشَّهَوَات فان ذَلِك يمْنَع صفاء الْقلب وجلاءه فَيمْنَع ظُهُور الْحق فِيهِ كَالشَّمْسِ الَّتِي ينكسف بَعْضهَا أوكلها فَيذْهب نورها وبهاؤها بِقدر ظلمتها واليه الاشارة بقوله ﵇ من قَارب ذَنبا فَارقه عقل لَا يعود اليه أبدا أَي حصل فِي قلبه كدورة لَا يَزُول أَثَرهَا أبدا إِذْ غَايَته أَن يتبعهَا بحسنة تمحوها فَلَو جَاءَ بِالْحَسَنَة وَلم تتقدم السَّيئَة سَقَطت فَائِدَة الْحَسَنَة لَكِن عَاد الْقلب بهَا إِلَى مَا كَانَ قبل السَّيئَة وَلم يَزْدَدْ بهَا فالاقبال على طَاعَة الله تَعَالَى والاعراض عَن مُقْتَضى الشَّهَوَات هُوَ الَّذِي يجلو الْقلب ويصفيه وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى ﴿وَالَّذين جاهدوا فِينَا لنهدينهم سبلنا﴾ وَقَالَ ﵊ من عمل بِمَا وَرثهُ الله علم مَا لَا يعلم
الثَّالِث أَن يكون معدولا بِهِ عَن جِهَة الْحَقِيقَة الْمَطْلُوبَة فان قلب الْمُطِيع الصَّالح وان كَانَ صافيا فانه لَيْسَ يَتَّضِح فِيهِ جلية الْحق لِأَنَّهُ لَيْسَ يطْلب الْحق وَلَيْسَ يُحَاذِي بمرآته شطر الْمَطْلُوب بل رُبمَا يكون مستوعب الْهم بتفصيل الطَّاعَات الْبَدَنِيَّة أَو تهيئة أَسبَاب الْمَعيشَة وَلَا يصرف فكره إِلَى التَّأَمُّل فِي الحضرة الربوبية والحقائق الْخفية وَلَا ينْكَشف لَهُ إِلَّا مَا هُوَ متفكر فِيهِ من دقائق آفَات الْأَعْمَال وخفايا عُيُوب النَّفس إِن كَانَ متفكرا فِيهَا أَو مصَالح الْمَعيشَة ان كَانَ متفكرا فِيهَا وَإِذا كَانَ تقيد الْهم بالطاعات وتفصيلها مَانِعا عَن انكشاف
1 / 94