بِهِ حَتَّى يفِيض عَلَيْهِ حقائق المعقولات وَقد قُلْتُمْ إِن الْبدن عائق فَإِذا فَارق الْبدن يطلع على المعقولات ويتصل بِهِ دوَام الْفَيْض فَكيف يكون هَذَا
قُلْنَا اعْلَم أَن النُّفُوس مُخْتَلفَة فَنَفْس مشرق صَاف عَن الكدورات يتلألأ فِيهِ أنوار الْعُلُوم مؤيد من عِنْد الله ثاقب الحدس ذكي الذِّهْن لَا يحْتَاج إِلَى الْفِكر وَالنَّظَر بل يفِيض عَلَيْهِ من أنوار الْعُلُوم بِوَاسِطَة الْمَلأ الْأَعْلَى مَا يَشَاء من المعقولات مَعَ براهينها بل وَلَو لم يَشَأْ حَتَّى كَأَنَّهُ من كَثْرَة مَا يستولي عَلَيْهِ من المعقولات يشرق على خياله وحسه فَهَذَا النقش من الْمَعْقُول يَأْتِي المحسوس والمخيل فيحاكيه بِمَا يُنَاسِبه من الْأَمْثِلَة فيخبر عَنهُ فَهَذَا فِي جلابيب الْبدن كَأَنَّهُ قد نضاها واتصل بعالم الْقُدس فَسَوَاء عِنْده مُفَارقَة الْبدن وملابسته فَإِنَّهُ يسْتَعْمل الْبدن لَا الْبدن يَسْتَعْمِلهُ وَينْتَفع بِهِ الْبدن لَا هُوَ ينْتَفع بِالْبدنِ وَيخرج الْعُقُول إِلَى الْفِعْل لَا انه يخرج إِلَى الْفِعْل فَهَذَا هُوَ الْعقل الْقُدسِي النَّبَوِيّ وَنَفس أُخْرَى انما تصل إِلَى الْعُلُوم وحقائق المعقولات بِوَاسِطَة الْبدن وَقواهُ واكتسابه الْعُلُوم بِوَاسِطَة الْمُقدمَات الخيالية وَلَكِن هَذَا انما يكون مَا دَامَ ملابسا للبدن فَإِذا فَارق الْبدن وَكَانَ مُسْتقِلّا مستوسقا وَكَانَ قد حصل لَهُ استعداد بَالغ وزيته قد صفي وَنَفسه قد هذب فَإِذا فَارق اتَّصل وَلَا يحْتَاج إِلَى الخيال والفكر بل يكون عائقا وَكَثِيرًا مَا يصير الْمعِين عائقا إِذا اسْتغنى عَنهُ وتفاوت هَذَا الصِّنْف الْوسط من النُّفُوس كثير وَفِيه تَتَفَاوَت السَّعَادَة والرفعة والقربة من الله تَعَالَى وَنَفس تكون متشبثة بالاقناعات الْوَاهِيَة والخيالات المتداعية فَإِذا فَارَقت الْبدن تكون الخيالات متشبثة بهَا فَأَما أَن يبْقى فِيهَا أَو يتَخَلَّص بعد حِين السُّؤَال الرَّابِع
فَإِن قيل قد قيل إِن النَّفس قد تطالع الصُّور الخيالية وَهِي فِي أجسام وَالنَّفس مُفَارقَة لَا تحاذي الْأَجْسَام وَلَا توازيها فَكيف يكون هَذَا
1 / 65