وعنها يصدر أَكثر الْأَفْعَال الحيوانية
وَأما بَيَان الْقُوَّة الحافظة فانا نعلم انا إِذا أدركنا الْمعَانِي الْجُزْئِيَّة لَا تغيب عَنَّا بِالْكُلِّيَّةِ فانا نتذكرها ونستحضرها بِأَدْنَى تَأمل فَعلمنَا أَن لهَذِهِ الْمعَانِي خَازِنًا يحفظها فَتلك هِيَ الحافظة مَا دَامَت بَاقِيَة فِيهَا فَإِذا غَابَتْ واستعادت فَهِيَ الذاكرة وَنسبَة الحافظة الى الْمعَانِي كنسبة المصورة الى المحسوسات المتصورة فِي الْحس الْمُشْتَرك
وَأما بَيَان قُوَّة التخيل فانا نعلم انا يمكننا أَن ندرك صُورَة ثمَّ نفصل ونركب ونزيد وننقص وندرك معنى فنلحقه بالصورة فَهَذَا التَّصَرُّف لغير مَا ذكر من القوى وَمن شَأْن هَذِه الْقُوَّة ان تعْمل بالطبع عملا منتظما أَو غير مُنْتَظم وانما ذَلِك لتستعملها النَّفس على أَي نظام تريده وَلَو لم يكن كَذَلِك لَكَانَ أمرا طبيعيا غير مفتن وَلما كَانَ للانسان أَن يتَعَلَّم الصناعات الْمُخْتَلفَة والنقوش العجيبة والخطوط الْمَنْظُومَة ليَكُون مطبوعا على فعل وَاحِد كَسَائِر الْحَيَوَانَات فَهَذِهِ الْقُوَّة تستعملها النَّفس فِي التَّرْكِيب وَالتَّفْصِيل تَارَة بِحَسب الْعقل العملي وَتارَة بِحَسب الْعقل النظري وَهِي فِي ذَاتهَا تركب وتفصل وَلَا تدْرك وَإِذا استعملتها النَّفس فِي أَمر عَقْلِي سميت مفكرة وَإِذا أكبت على فعلهَا الطبيعي سميت متخيلة وَالنَّفس تدْرك مَا تركبه وتفصله من الصُّور بِوَاسِطَة الْحس الْمُشْتَرك وَمَا تركبه وتفصله من الصُّور بِوَاسِطَة الْقُوَّة الوهمية
واما محَال هَذِه القوى فَاعْلَم أَن هَذِه قوى جسمانية فَلَا بُد لَهَا من محَال جسمانية خَاصَّة وَاسم خَاص فالحس الْمُشْتَرك آلتها ومحلها الرّوح المصبوب فِي مبادىء عصب الْحس لَا سِيمَا فِي مقدم الدِّمَاغ
وَأما الْقُوَّة المصورة وَتسَمى الخيال فآلتها الرّوح المصبوب فِي الْبَطن الأول من الدِّمَاغ وَلَكِن فِي جَانِبه الْأَخير
1 / 47