وَأما حاسة السّمع فَهِيَ قُوَّة مرتبَة فِي العصب المتفرق فِي سطح الصماخ تدْرك صُورَة مَا يتَأَدَّى اليه بتموج الْهَوَاء المنضغط من قرع أَو قلع انضغاطا بعنف يحدث مِنْهُ صَوت يتَأَدَّى الى الْهَوَاء المحصور الراكد فِي تجويف الصماخ ويحركه بشكل حركته فتماس الأمواج الْمُخْتَلفَة تِلْكَ الْعصبَة فتتأدى بهَا الى الْحس الْمُشْتَرك
وَقيل إِن تِلْكَ الْعصبَة مفروشة فِي أقْصَى الصماخ ممدودة مد الْجلد على الطبل إِلَّا أَنَّهَا على دقة نسج العنكبوت وصلابة الْجلد المدبوغ
وَقيل إِنَّهَا أعصاب كأوتار الْعود ممدودة فِي جَوَانِب الصماخ وتتحرك تِلْكَ الأوتار بتحرك الْهَوَاء الراكد فِيهِ فَيحصل مِنْهُ طنين وانما يَتَحَرَّك على تَرْتِيب تعاقب الْحُرُوف والأصوات واختلافها فِي الرّفْع والخفض والخفة والثقل والدقة والغلظ وكما أَن الضياء شَرط فِي الْأَبْصَار كَذَلِك الْهَوَاء فِي السّمع
والسمع انما يسمع من مُحِيط الدائرة وَالْبَصَر انما يبصر على خطّ مُسْتَقِيم على أَن تِلْكَ الخطوط المستقيمة تخرج من الْمُحِيط وَتصل الى المركز من الكرة المدورة حَتَّى ظن ظانون أَن تِلْكَ الخطوط أشعة منبعثة من الْبَصَر الى الْقَاعِدَة أَو صور مَقْبُوضَة من الْقَاعِدَة الى الْبَصَر وكلا الْوَجْهَيْنِ خطأ كَمَا ذَكرْنَاهُ
وَالْقُوَّة السامعة تلِي المبصرة فِي النَّفْع وَوجه مَنْفَعَتهَا أَن الْأَشْيَاء الضارة والنافعة قد يسْتَدلّ عَلَيْهَا بخاص أصواتها فأوجبت الْعِنَايَة الإلهية وضع الْقُوَّة السامعة فِي أَكثر الْحَيَوَان على أَن مَنْفَعَة هَذِه الْقُوَّة فِي النَّوْع النَّاطِق من الْحَيَوَان تكَاد تفوق الثَّلَاث
وَأما القوى المدركة من بَاطِن فتنقسم بِالْقِسْمَةِ الأولى ثَلَاثَة أَقسَام مِنْهَا مَا يدْرك وَلَا يحفظ وَمِنْهَا مَا يحفظ وَلَا يعقل وَمِنْهَا مَا يدْرك ويتصرف ثمَّ الْمدْرك إِمَّا أَن يدْرك الصُّورَة أَو الْمَعْنى والحافظ إِمَّا أَن يحفظ الصُّورَة أَو الْمَعْنى والمتصرف تَارَة يتَصَرَّف فِي الصُّورَة وَتارَة فِي الْمَعْنى والمدرك تَارَة
1 / 44