وقال قتادة: إن بعض الناس زادوا تحريم أشياء بعد موسى، فجاء عيسى بتحليلها فليس بنسخ. وقيل: إنه أحل جميع ما حرم عليهم، وذلك نسخ عام، ف(بعض) في الآية بمعنى: جميع عند القائل. والمراد بنسخ الجميع إنما هو نسخ جميع ما يمكن نسخه، فيخرج صفات الله ووعده ووعيده، وما لا يصح نسخه كمكارم الأخلاق، فهذا كله لا ينسخ في شيء من الشرائع، بل الشرائع كلها متفقة على ثبوت ما لا يصح نسخه؛ وإنما ينسخ ما يصح نسخه أو بعض ذلك، والظاهر من الآية أن عيسى - عليه السلام - إنما نسخ بعض أحكام التوراة لا جميعها. وقيل: إن لوطا - عليه السلام - أول نبي نسخت شريعته شريعة آدم، وكانت الأنبياء من قبله على شريعة آدم، والله أعلم.
وأنكر اليهود النسخ رأسا، وهم في إنكاره فريقان:
- فمنهم: من أنكره عقلا. - ومنهم: من جوزه عقلا؛ لكنه منع منه سمعا، وما قدمنا ذكره يدل بطريق القطع على إبطال ما زعمته اليهود من ذلك.
فأما إبطال دعوى من أنكر منهم النسخ سمعا فظاهر؛ لأن وروده بالسمع شاهر.
وأما بطلان دعوى من أنكر جوازه عقلا فأظهر؛ لأنه إذا ثبت بالنصوص القاطعة وقوعه فقد علمنا جواز وقوعه، إذ لو لم يجز لما وقع.
احتج اليهود على منع النسخ عقلا بأن النسخ بدأ، والبدء في حق الله محال.
صفحه ۳۵