الحالة الثانية: أن يكون مقيدا في مذهب إمامه، مستقلا بتقرير أصوله بالدليل، غير أنه لا يتجاوز في أدلته أصول إمامه وقواعده، ولا يعرى عن شوب تقليد له لإخلاله ببعض أدوات المستقل، وهذه صفات أصحاب الوجوه، وعليها كان أكثر الأئمة والأصحاب.
الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه؛ لكنه فقيه النفس حافظ مذهب إمامه، عارف بأدلته، قائم بتقرير ما يصور ويحرر ويقرر، ويهمل ويزين ويرجح؛ لكن قصر عن أولئك لقصوره عنهم في حفظ المذهب، أو الارتياض في الاستنباط، أو معرفة الأصول ونحوها، وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة، الذين رتبوا المذهب وحرروه، وصنفوا تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم ولم يلحقوا الذين قبلهم في التخريج.
الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه في الواضحات والمشكلات؛ ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته، وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من منظورات مذهبه من نصوص إمامه، وتفريع المجتهدين فيه، وما لا يجده منقولا إن وجد في المنقول معناه، بحيث يدرك بكبير فكر أنه لا فرق بينهما، جاز له إلحاقه به والفتوى به، وهكذا ما يعلم أنه راجع تحت ضابط عهد في المذهب، وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى فيه.
قال: وينبغي أن يكتفي في حفظ المذهب في هذه الحالة والتي قبلها، بكون المعظم على ذهنه، ويتمكن لدرايته من الوقوف على الباقي على قرب، فهذه أصناف المفتين.
قال ابن الهائم: وليت /8/ ابن الصلاح أثبت حالة خامسة على طريق الرخصة بحسب همم أهل هذا العصر، وقصور قواهم عن بلوغ هذه الرابعة؛ وإلا فلا تكاد تجد مفتيا بالشرط الذي اعتبره في المرتبة الرابعة". انتهى.
الفصل الرابع:
صفحه ۱۲